في العاشر من أبريل ترددت شائعات في أرجاء ليبيا وواشنطن مفادها أن المرشح المحتمل للرئاسة خليفة حفتر أرسل إلى باريس لتلقي العلاج الطبي لحالة صحية طارئة، وأعلن ممثل الأمم المتحدة غسان سلامة أنه "تواصل عبر الهاتف" مع حفتر وناقش معه "الوضع العام في ليبيا"، وفي تصريح أكّد أنه على قيد الحياة ولا شيء آخر.

وسواء عاد حفتر إلى وطنه أم لا، فإن سمعته كقائد قوي وآماله بقيادة ليبيا ما بعد الحرب قد تضررت في تطوّر قد يؤثّر على التوازن السياسي في البلاد، واستقرار مناطقها الشرقية المنتجة للنفط، وكذلك الآمال بإجراء انتخابات هذا العام، ونشاط الجماعات الجهادية.

Ad

التجرّد من أسطورة حفتر

في عام 1969 كان حفتر ضابطاً في الجيش تآمر مع العقيد معمّر القذافي للإطاحة بالملك إدريس، وبحلول عام 1987، تولّى قيادة قوات في حرب ليبيا العاثرة ضد تشاد التي أسفرت عن اعتقاله، وتخلىّ القذافي عن حفتر ومئات السجناء الآخرين الذين شاركوا في ذلك الصراع ، في خيانة ملموسة دفعت بالقائد إلى الانقلاب على النظام والانضمام إلى جماعة معارضة مقرها في تشاد، وفي وقتٍ لاحق تلقت هذه الجماعة تدريباً سرياً من الولايات المتحدة في إطار محاولات إدارة ريغان للإطاحة بالقذافي، وعندما فشلت تلك الخطة هرب حفتر إلى تشاد واستقر في النهاية في الولايات المتحدة، حيث عاش نحو عقدين من الزمن قبل عودته إلى بنغازي فور انطلاق ثورة 2011.

ولم يؤدي حفتر دوراً مؤثراً في الثورة، غير أنه في 2014 بعد موجة من الاغتيالات استهدفت أفراداً ومسؤولين أمنيين ونشطاء من النظام السابق، واستغل الإحباط المتنامي في بنغازي معلناً "معركة عملية الكرامة"، وهي حملة عسكرية كانت تهدف الى تطهير ليبيا ممن أسماهم بالإرهابيين الإسلاميين، ورداً على تلك العملية شكّل الثوار الذين تحملوا العبء الأكبر من الصراع- بمن فيهم كثير من الإسلاميين- ميليشيا خاصة بهم حملت اسم "فجر ليبيا"، وقد حصدت الحرب التي تلت ذلك آلاف الأرواح، ودمّرت بنية تحتية مهمة، ومكّنت الفصيل الناشئ من تنظيم "الدولة الإسلامية" في ليبيا من التوسّع، وقد انتهى النزاع في أواخر عام 2015 بفضل "الاتفاق السياسي الليبي" الذي توسطت فيه الأمم المتحدة وتم تشكيل "حكومة الوفاق الوطني" في وقت لاحق، لكن حفتر وحلفاؤه السياسيون رفضوا كلا المبادرتين في نهاية المطاف، وقوّضوا بذلك فرصة التوصل إلى حل سياسي دائم.

وطوال هذه الفترة تلقى حفتر الدعم من جهات فاعلة خارجية مثل الإمارات العربية المتحدة ومصر، اللتين شاركتاه أيديولوجيته المتشددة المعادية للإسلاميين، فقام البلدان بقصف مواقع "فجر ليبيا" في طرابلس مرة واحدة على الأقل، في حين استهدفت مصر الإسلاميين في شرق ليبيا رداً على هجمات تنظيم "الدولة الإسلامية" في شبه جزيرة سيناء. كما قامت الدولتان بتزويد حفتر بالأسلحة والعتاد في خطوة شكّلت انتهاكاً لحظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة.

أما روسيا فاستمالته هي الأخرى أيضاً، حيث تردد أنها أرسلت مدرّبين إلى قواته في الشرق، وكانت فرنسا سباقة في هذا المجال، ففضلاً عن قيامها بمهمات مكافحة الإرهاب انطلاقاً من القاعدة الجوية الخاضعة لسيطرة حفتر، استضافه الرئيس إيمانويل ماكرون في باريس في يوليو الماضي، ليكون بذلك أول زعيم أوروبي يعامله على قدم المساواة مع رئيس الوزراء الليبي.

لكن خلال العام الماضي، بدأ حلفاء حفتر الدوليون يستاؤون منه بسبب وعوده المتكررة بتحقيق النصر الكامل وتفاخره بشأن سيطرته على مناطق شاسعة دون دعم أقواله بأفعال على الأرض، وعندما ضعفت مكانة حفتر في الخارج، بدأ ائتلافه المحلي بالتصدع أيضاً، إذ يستمد الجزء الأكبر من قوته الداخلية من علاقاته الخارجية. ومع ذلك فإن شهرته وسمعته كرجل قوي أبقته مرشحاً محتملاً قوياً للرئاسة قبل مرضه، وبالمثل فإن شبكة نفوذه في الشرق وسيطرته على المناطق المنتجة للنفط جعلت منه صاحب نفوذ في أي جهد لتحقيق الاستقرار في البلاد.

دعم خطة عمل الأمم المتحدة

في سبتمبر وافق "مجلس الأمن" الدولي على خطة عمل أعدتها "بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا" لدفع عملية الانتقال السياسي قدماً، وقد حددت الخطة إطاراً زمنياً طموحاً لاعتماد الدستور، وعقد حوار وطني، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، جميعها في عام 2018.

وبالنسبة إلى حفتر كان احتمال حكم ليبيا عن طريق انتخابات شرعية بدلاً من غزو عسكري لا يمكن تحقيقه أمراً جذاباً للغاية، فحاول تصوير نفسه على أنه عنصر أساسي لخطة العمل، تماماً كما فعل بين عامي 2015 و2016 مع "الاتفاق السياسي الليبي" و"حكومة الوفاق الوطني"، وفي ديسمبر الماضي أشار إلى احتمال مشاركته في الانتخابات المقبلة، لكن بعد مرور شهرين حذر من أن ليبيا قد لا تكون مستعدة لنظام ديمقراطي منذراً بسوء القيام بذلك، وبعبارة أخرى كان يبدو وكأنه سيرشح نفسه للرئاسة أو يمنع إجراء الانتخابات.

وفي 12 أبريل أطلع مبعوث "بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا" غسان سلامة وزراء الخارجية العرب على مستجدات خطة العمل خلال اجتماع عُقد في السعودية، وبعد أن أعرب عن أمله في تمرير ليبيا قريباً قانوناً لبدء استفتاء على الدستور، أشار إلى أن الحوار الوطني قد بدأ في بعض المدن، وأنه من المقرر عقد مؤتمر وطني في الصيف المقبل، وذكر أيضاً أن الانتخابات المحلية ستجرى قريباً، على أن تليها الانتخابات البرلمانية، وفي الوقت نفسه أقر بأن "حوار البعثة الواسع النطاق مع مختلف الأطراف المسلحة في ليبيا" ما زال يمثل تحدياً، لا سيما فيما يتعلق بمسائل مثل السماح بإجراء انتخابات، وتفكيك قواتها، وإنشاء جيش وطني.

بدائل بعد حفتر

حتى إذا تعافى حفتر وعاد إلى بنغازي يبدو أن مكانته تضررت بشكل يتعذر إصلاحه، كما أنه ليس هناك خلف واضح له، ولم تكن الولايات المتحدة من جانبها راغبة في الانخراط في السياسة الليبية خلال إدارة ترامب، وقد ركزت عوضاً عن ذلك على شنّ ضربات جوية منتظمة ضد أهداف تابعة لتنظيمي "الدولة الإسلامية" و"القاعدة"، ولكن نظراً إلى النهاية المحتملة الوشيكة لحفتر يتعين على واشنطن إعادة التركيز على قضايا الانتقال (السياسي)، وإذا حصل انقسام في صفوف حلفاء حفتر، فستزداد وتيرة العنف وسيعود ذلك بالفائدة على تنظيم "الدولة الإسلامية" أو جهاديين آخرين، كما حدث في عام 2014، ويكمن الحل في الحدّ من أي أعمال مماثلة لكي تتمكن "بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا" من تنفيذ خطة العمل.

وتحقيقاً لهذه الغاية على واشنطن إرسال مستشارين لدعم جهود "بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا" الرامية إلى دمج الميليشيات، كما عليها طلب مساعدة حلفائها لتمويل "صندوق تحقيق الاستقرار في ليبيا" التابع لـ"برنامج الأمم المتحدة الإنمائي"، ليكون لدى المجالس البلدية مشاريع جديدة لإطلاقها فور انتهاء الانتخابات المحلية، وأخيراً على الإدارة الأميركية أن تضغط على الشركاء الأوروبيين والعرب لزيادة دعمهم السياسي والمالي الأوسع للأمم المتحدة وتجنب استمالة خلفاء حفتر المحتملين، وهو خطأ على صعيد السياسة ساهم في الانقسامات التي تشهدها ليبيا في الوقت الحالي.

* بين فيشمان- واشنطن إنستيتوت