ذكر تقرير "الشال" الاقتصادي الأسبوعي، أن أحد أخطر أمراض الإدارة العامة، هو استهلاكها لأفضل ما في الكويت من قدرات بشرية، وفي وقت قياسي، فمع آخر تشكيل وزاري، وهو السابع في 6 سنوات، وفي كل التشكيلات التي سبقته، ترك الوزارة وزراء يعوَّل عليهم في إصلاح قطاعاتهم على أقل تقدير، ولا نعتقد أن أياً منهم شعر بالأسف على فقدانه منصبه.

وأضاف التقرير: "بالأمس، تم تشكيل رابع مجلس إدارة للخطوط الجوية الكويتية في 5 سنوات، بعد إقالة أو استقالة من سبقهم، وفي المجالس الأربعة أيضا كفاءات بعضها عينت في غير مجال اختصاصها لمبررات لا أحد يفهمها. وبالأمس القريب، استقال الرئيس التنفيذي لمشروع رؤية (كويت جديدة)، بعد شهر من تعيينه، وتبعه قبل أسبوعين استقالة رئيس وحدة التحريات المالية الكويتية المسؤولة عن متابعة عمليات غسل الأموال بعد أقل من شهر واحد من تعيينه، وفي كل تلك الحالات لا يبدو أن هناك من يدين بشرح أسبابها".

Ad

وتابع: "لسنا بصدد البحث عن أسباب التغيير أو الاستقالة لكل حالة في الحالات المذكورة، وما سبقها كثير. ما يعنينا هو التحذير من بيئة القطاع العام الطاردة لكفاءات بشرية باتت شحيحة، وفي زمن أصبح فيه شعار الحكومة هو (كويت جديدة)، وصناعة الجديد والمتميز أساسه البشر، والتبذير في القدرات البشرية الشحيحة بات آفة".

وأكد التقرير أن شح القدرات البشرية في الإدارة العامة، وتزامنها مع استشراء حملة المؤهلات العلمية المزيفة، هو السبب الرئيس في سير مؤشرات القياس عكس متطلبات الإصلاح، وآخرها انحدار كفاءة الإنفاق العام، ليزامل التخلف في مؤشرات مدركات الفساد والتنافسية وبيئة الأعمال، وشاملا التعليم وكل الخدمات العامة الأخرى.

وذكر أنه لا ينقص البلد شعارات جديدة، مثل: عدم التهاون بعد الآن مع الفساد، أو عدم التهاون مع التلكؤ عن الإنجاز، لأن الحد من الفساد والإنجاز لن يتحقق ما لم يكن على رأس كل موقع عام إنسان نزيه ومؤهل.

وقال التقرير: "لنأخذ (الخطوط الكويتية) مثالا، ونحن ندعم مجلس إدارتها الجديد، لعل وعسى يكون إنجازه ومصيره أفضل من سابقيه، لكننا نعلم أيضا أن أي عمل مؤسسي تغيب أهدافه يكاد يكون من المستحيل تحقيق نجاح ملحوظ فيه".

وأشار إلى أن "الكويتية" كانت مشروع تخصيص منذ عام 1993، وحتى صدر قانون تخصيص خاص بها عام 2008، وتم تقويم أصولها وتحويلها إلى شركة لتسهيل مهمة تخصيصها. وبعد نشر القانون بخمس سنوات، استدارت الحكومة 180 درجة بدعم من نواب، وتحوَّلت الشركة اسماً إلى ناقل وطني، وفعلا إلى هيئة حكومية مستهدفة للتنفيع بخدماتها ووظائفها بما يناقض تماما تعزيز تنافسيتها".

وأوضح أن "الكويتية" مثال لإهدار الطاقات البشرية، فهي لن تنجح سوى في حالتين فقط؛ الحالة الأولى، هي الجزم والمضي في عملية تخصيصها خلال فترة زمنية قاطعة، وذلك يتطلب قرارا حكوميا، وليس على مستوى مجلس إدارتها.

وأضاف التقرير: "الحالة الثانية، هي اعتبارها جزءا مكملا في مشروع دولة على غرار الإماراتية- دبي، أو القطرية أو الاتحاد- أبوظبي، فتلك المطارات تعمل على تعزيز تنافسيتها كمركز مرور لكل العالم، ومركزا للسياحة التجارية، ومتطلبات مثل هذا التحول غائبة في الكويت، شاملا هيكل إدارة طيرانها المدني ومطارها وتساهلها مع القادمين إليها".

ولفت إلى أن القياس صحيح لكل مؤسسات الدولة الأخرى، كلها طاردة، لأن المطلوب منها على الورق يناقض ما تريده الحكومة على أرض الواقع، لذلك تحولت المؤسسات العامة للأسف إلى مراكز استهلاك للقدرات الإدارية الشحيحة في الأصل، ومعها تحولت إلى مؤسسات معظمها فاسدة وضعيفة الإنتاجية وطاردة لأفضل ما فيها من بشر.