عندما استخدم الفلسطينيون الكفاح المسلح ضد الاحتلال، وصفت إسرائيل نضالهم بالإرهاب، وعندما لجأوا إلى المقاومة الشعبية، سمت إسرائيل مقاومتهم ذات الطابع السلمي عنفاً، وعندما استخدم الفلسطينيون والمتضامنون معهم حركة المقاطعة السلمية وسمت إسرائيل نضالهم باللاسامية، وعندما يقوم الفلسطينيون بانتقاد وتعرية جرائم إسرائيل واحتلالها وعنصريتها يُتهمون بالتحريض، وعندما يظهر يهود إنسانيون يرفضون سياسة إسرائيل واحتلالها ويعلنون مساندتهم لنضال الشعب الفلسطيني لا تتورع إسرائيل عن إطلاق لقب "كارهي النفس" عليهم. المشكلة ليست في ما تقوله إسرائيل، فهي، ككل نظام عنصري قمعي، ستلجأ إلى قلب الحقائق، وتزييف الأمور بكل وسيلة متاحة.
المشكلة تكمن في الدول والحكومات وبعض السياسيين الذين يكررون كالببغاوات ما تقوله حكومة إسرائيل دون محاولة للتفكير في مضمون أقوالها. وعندما تصل الوقاحة، كما جرى في مجلس الأمن على يد نيكي هيلي، إلى حد تجريم الضحايا والدفاع عن القتلة المجرمين، رغم انفضاح إسرائيل وإجماع باقي أعضاء مجلس الأمن على رفض استخدامها الرصاص الحي القاتل ضد المتظاهرين العزل، يصبح التشدق بالقانون الدولي وحقوق الإنسان نفاقا، وتغدو ازدواجية المعايير نمطا سائدا، ويبرز السؤال: هل نحن نعيش في عصر سواد شريعة الغاب؟ وهل انحدرت الإنسانية قروناً إلى الوراء حتى غدت غطرسة القوة، وهمجية الاستعمار والهيمنة أمراً مقبولاً؟ غير أن ما جرى في مجلس الأمن، وفي البرلمان الألماني، من اعتراف بما سُمي "يهودية" إسرائيل، وفي دول كرومانيا والتشيك، حيث حاول بعض المأفونين، دون نجاح، دفع بلدانهم للمشاركة في خرق القانون الدولي بنقل سفاراتها للقدس، إنما يؤكد أن معركتنا وكفاحنا من أجل الحرية والعدالة يمتد عبر العالم بأسره. قلب وروح هذا النضال في فلسطين ولكن صوته، وصورته، وآلامه، وتضحياته يجب أن تدخل كل برلمان ودولة ومؤسسة وجمعية في العالم. وقصة الصحافيين اللذين استُشهدا على يد القناصة الإسرائيليين القتلة يجب أن تصل إلى كل صحيفة وإذاعة ومحطة تلفزة في العالم. وقضية الفتيان الشهداء نديم نوارة ومحمد أبوخضير وعائلة دوابشة، يجب أن تدق كل باب في العالم. وذلك يتطلب جهاز إعلام مهنياً قوياً، ومثابراً، مبدعاً وقادراً على مخاطبة العالم باللغات التي يفهمها، وبالأنماط التي يستوعبها. الصراع على الرواية، يمثل إحدى أهم وسائل النضال، ومن أكثر ضروريات إسناد المقاومة الشعبية لضمان انتصارها في تحقيق أهدافها. وهو يتطلب تجنيد أصدقائنا والمتضامنين معنا، وتفعيل طاقات الجاليات الفلسطينية وتنظيمها، والاستخدام المتواصل والفعال لوسائل التواصل الاجتماعي إلى جانب وسائل الإعلام التقليدية. لا يستطيع أحد أن ينكر أو يتنكر لتضحيات الشعب الفلسطيني وأبنائه وبناته، لاسيما أولئك المكافحين البواسل في قطاع غزة الذين يقبضون على الجمر ويخاطرون في كل لحظة بحياتهم من أجل وطنهم وكرامتهم، ومن يتجرأ على التنكر لتضحيات شعبه وعلى تكرار مقولات أعدائه فسيفقد احترام الشعب الفلسطيني وثقته إلى الأبد.لدينا ألف قصة وقصة من قصص النضال الفلسطيني وإبداعاته ونجاحاته، وألف رواية ورواية عن معاناة الشعب الفلسطيني، وعدد لا يحصى من الصور والإثباتات على عدالة قضيتنا، والمهم أن تصل بالأسلوب والشكل الصحيح إلى العالم بأسره.لسنا بحاجة إلى إعادة اختراع ما تم اكتشافه، فقد لخصت الأمر الأديبة والمناضلة النسوية فرجينيا وولف عندما قالت "إن شيئاً لم يحدث ما لم يتم وصفه". فلنصف نضالنا بقدر ما نمارسه وسيكون النصر حليفنا. *الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية
مقالات
نضال عظيم يجب أن يوصف
29-04-2018