من الصعب أن نتخيل أي عنوان رئيسي إيجابي هذا العام يتضمن كلمة "روسيا" أو مصطلح "التأثير العالمي"، ويبدو أن وسائل الإعلام الإخبارية الدولية تتنافس على تقديم التغطية الأشد ترويعا لروسيا في عهد الرئيس فلاديمير بوتين. ومع ذلك، في غضون شهرين فقط، عندما تستضيف روسيا كأس العالم لكرة القدم، وهو الحدث الرياضي الأكثر مشاهدة في العالم، فإنها ستقدم مساهمة إيجابية على الساحة الدولية.

سوف يستعرض بعض المراقبين كأس العالم هذا العام من منظور الجهود التي يبذلها بوتين لإظهار "القوة الناعمة"، وباعتبارها مناسبة للمسؤولين الروس الفاسدين لتعظيم ثرواتهم، لكن هذا التفسير عفوي وغير مدروس، فالواقع أن الكرملين قد يستفيد بشكل أكبر من إخراج حدث جيد التنظيم، فمع بيع ما يقرب من مليوني تذكرة بالفعل، أصبحت بطولة كأس العالم على المسار الصحيح لتحقيق نجاح عظيم.

Ad

يريد الأشخاص الذين يشترون التذاكر أن يكونوا جزءا من مهرجان دولي يتنافس فيه أفضل لاعبي كرة القدم في العالم، ولا يرغب أي منهم في تقديم بيان سياسي. على نحو مماثل، لم يكن استغلال الكرملين لبطولة كأس العالم لأغراض الدعاية أكثر من استغلال أي دولة مستضيفة أخرى لها، فمثلاً ألمانيا، وجنوب إفريقيا، والبرازيل، استغلت جميعها المناسبة لتلميع سمعتها في الضيافة والانفتاح.

علاوة على ذلك، في يونيو 2017، نشر الاتحاد الدولي لكرة القدم تقريرا كاملا من تحقيق النائب العام الأميركي السابق مايكل غارسيا لعام 2014 في عملية تقديم العطاءات لاستضافة بطولة كأس العالم لعامي 2018 و2022. وقد أظهر تقرير غارسيا أن روسيا راغبة بشدة في استضافة الحدث، وأن بوتين وجه نداءات شخصية لمسؤولي التصويت من دول أخرى؛ لكن التقرير لم يتوصل إلى أي دليل على تواطؤ، أو رشوة، أو أي انتهاكات أخرى للقواعد. وفي وقت تهيمن الأنباء حول الفساد الداخلي في روسيا وانتهاكها للقواعد الدولية على العناوين الرئيسية، فمن المفهوم أن يكون لهذه النتيجة وقع المفاجأة.

من المؤكد أن المشاريع التي تمولها الحكومة في روسيا ملتوية وغير مستقيمة، كما حامت ادعاءات الفساد حول الاستعدادات لدورة الألعاب الأوليمبية لعام 2014 في سوتشي. ولكن في حالة البنية الأساسية لبطولة كأس العالم، من غير المرجح أن تكون وقائع احتيال وسرقة وكسب غير مشروع حدثت على نطاق واسع، ذلك أن مشاريع ترقية وتحسين المطارات، وشبكات النقل، والخدمات السياحية في المدن المضيفة لابد أن تلبي معايير دولية.

ويصدق نفس الأمر على بناء الاستاد الذي كان خاضعا أيضا لتدقيق عام مكثف، وكانت عطاءات كل المشاريع تجرى من خلال عملية اختيار تنافسية، وكانت التكاليف النهائية مماثلة لمشاريع بناء أي استاد في أماكن أخرى من أوروبا.

في كل الأحوال، يجدر بنا أن نتذكر أن روسيا استضافت بالفعل بطولة كأس القارات العام الماضي، والتي جمعت بين حامل كأس العالم الحالي، والدولة المضيفة، والأبطال الستة الحاليين على المستوى الإقليمي. وعلى سبيل الإحماء للحدث الرئيسي هذا العام، كانت بطولة كأس القارات ناجحة في ما يتصل بالخدمات اللوجستية وإرضاء المشجعين.

لن نبالغ مهما قلنا في وصف التأثير الاجتماعي الذي قد تخلفه بطولة كأس العالم داخل روسيا، فكل من يشهد مثل هذا الحدث الرياضي الدولي من الفتيات والصبية يتعلم كيف يقدر التنوع ويتجنب التمييز. ومن المنشورات والملصقات إلى مراسم الافتتاح، سوف يشاهدون شابات وشباناً من مجموعة من الدول المختلفة يشاركون جنبا إلى جنب في إشارة إلى أهمية المساواة بين الجنسين.

علاوة على ذلك، عندما يتعلق الأمر بسكان المدن الروسية الإقليمية حيث ستجري أغلب المباريات، ستكون تجربة استضافة عشرات الآلاف من المشجعين من دول أخرى مبهرة وكاشفة كما كانت الفترة التي تلت سقوط الستار الحديدي مباشرة. عندما حضرت إحدى مباريات كأس القارات في كازان في يونيو الماضي، كان الحكم ومراقبا الخطوط من المملكة العربية السعودية، وكان مسؤول آخر من إيران، وآخر من الولايات المتحدة. والواقع أن مثل هذا المشهد يقدم، لأولئك الذين ينظرون إلى العالم عبر عدسة جيوسياسية تظهره وكأنه مباراة محصلتها صفر، تصحيحا قويا قوامه التعاون والزمالة.

تشير تقديرات الاتحاد الدولي لكرة القدم إلى أن نحو 250 مليون شخص من أكثر من 220 دولة يمارسون لعبة كرة القدم، وتقدر القاعدة الجماهيرية لهذه اللعبة في مختلف أنحاء العالم بما يتجاوز 1.3 مليار شخص. وقد لا يحلم أغلب مواطني دول العالم حتى برؤية فريقهم الوطني يفوز بكأس العالم؛ لكنهم رغم ذلك يتابعون كل ثانية من المباريات التي يشارك فيها فريقهم الوطني، فعلى النقيض من الدوريات المحترفة، حيث يميل أداء أي فريق إلى التعبير عن الموارد المالية المتاحة له، تقدم كرة القدم على المستوى الوطني فرصة عادلة حتى لأصغر الدول، ولهذا السبب فازت دولة أوروغواي الصغيرة بالبطولة مرتين، وتفاخر هولندا بفوزها بالمركز الثاني ثلاث مرات.

أثبتت الأبحاث الأكاديمية أن الأحداث الرياضية الكبرى مثل بطولة كأس العالم لكرة القدم والألعاب الأوليمبية تحقق فوائد اقتصادية مباشرة قليلة للدول المضيفة، لكن نفس الأبحاث وجدت أن الناس الذين يعيشون في تلك الدول يشهدون على نحو ثابت زيادة كبيرة في مستويات السعادة أثناء وبعد الأحداث.

وقد عاينت هذا بنفسي في كازان في يونيو الماضي، عندما لعبت روسيا أمام المكسيك في الجولة المؤهلة لنصف نهائي بطولة كأس القارات، وخسرت روسيا بعد ارتكاب حارس مرماها خطأ ساذجاً، وطرد أفضل لاعبيها بعد أن ضرب أحد لاعبي الفريق المنافس. ومع ذلك، كان الاستاد جميلا، وكان الحدث جيد التنظيم، واستمتع 40 ألف مشجع بأمسية رائعة.

من الصعب أن نصدق أن فريق روسيا الوطني قد يفوز بكأس العالم المقبلة، ولكن هناك كل الأسباب التي تجعلنا نعتقد أن روسيا ستكون مضيفا ممتازا لهذا الحدث العالمي المهم الجامع.

* أستاذ في كلية هاريس للسياسة العامة بجامعة شيكاغو، وأستاذ مساعد بالمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو.

«بروجيكت سنديكيت، 2018» بالاتفاق مع «الجريدة»