العمالة الوافدة ومصالح المتنفذين
ما قامت به السفارة الفلبينية وما ترتب على ذلك من تداعيات آخرها طلب الرئيس الفلبيني عودة مواطنيه إلى بلادهم هو مؤشر، كما ذكرنا في مقال سابق، إلى ما قد يحصل مع دول أخرى، ولذلك فإن معالجة مشكلة العمالة عموماً والعمالة الفلبينية على وجه الخصوص لا تتم باستبدالها بعمالة من دول غيرها كما يصرح بعض المسؤولين، بل بمعالجة خلل التركيبة السكانية وتركيبة القوى العاملة، وذلك من خلال رسم سياسات حكومية جادة بعضها يحتاج تنفيذه إلى وقت كالتحول تدريجياً إلى نمط الاقتصاد الإنتاجي الذي ستتغير معه تركيبة القطاع الخاص وسلوكيات الناس ونمط معيشتهم، وبعضها الآخر لا يحتاج تنفيذه إلى وقت طويل مثل معاقبة مافيا الإقامات والعمالة السائبة ووقف استقدام العمالة غير الماهرة، وتشجيع عدم اعتماد الأُسر على العمالة المنزلية، علاوة على إلزام شركات القطاع الخاص ومؤسساته بالقيام بمسؤوليتها الاجتماعية وتوظيف العمالة الوطنية. هناك عمالة سائبة وغير ماهرة وجودها عبء ثقيل على البلد، ومن الممكن الاستغناء عنها بسهولة؛ مثل عمال التنظيف الذين يملؤون ممرات وزارات الدولة ومؤسساتها، وتفوق أعدادهم أحياناً أعداد الموظفين، ما حاجة كليات جامعة الكويت، على سبيل المثال، لهذا العدد الكبير من عمال وعاملات التنظيف البؤساء الذين نراهم يومياً وهم يصطفون أثناء تغيير "الشفت" (نوبة العمل) في طابور طويل يخجل الإنسان السوي من رؤيته، فهو يذكرنا بما نشاهده في الأفلام عن تجارة الرقيق، ناهيك عن ظروفهم المعيشية القاسية وانتهاك حقوقهم الإنسانية، فلا تغذية مناسبة ولا سكن ملائما، حيث تتكدس أعداد كبيرة في غرفة واحدة صغيرة، علاوة على طول ساعات العمل وعدم توافر العلاج الطبي الأولي؟
والأمر ذاته بالنسبة إلى العمالة المنزلية التي يمكن تشجيع عدم الاعتماد عليها، فكثير من الأُسر يحتاجونها لتوصيل الأولاد للمدارس، وسيستغنون عنها وتوفير تكلفتها المالية التي تُقتطع من ميزانية الأُسرة لو قامت وزارة التربية بتوفير باصات مريحة وآمنة لنقل تلاميذ المدارس، كما كان يحصل في السابق، كما أن معظم المواطنات العاملات يعتمدن على العمالة المنزلية لرعاية أطفالهن أثناء العمل وتوفير بدائل أخرى سيقلل من اعتمادهن عليها.أما العمالة الوافدة في القطاع الخاص فبإمكان الحكومة لو كانت جادة أن تُلزم القطاع الخاص بتوظيف العمالة الوطنية مقابل الحصول على التسهيلات والمناقصات الحكومية، فهل تتخذ الحكومة قرارات عاجلة في هذا الاتجاه كي لا يتعمق اختلال التركيبة السكانية وتركيبة القوى العاملة، وتتعرض الدولة لضغوط خارجية ومشاكل سياسية هي في غنى عنها، مثلما يحصل حالياً مع الفلبين، أم أن مصالح المتنفذين لها الأولوية في خطط الحكومة وسياساتها وقراراتها؟