قضايا ومعوقات تجديد الخطاب الديني (11)
المعوق الريعي الريع النفطي أكبر معوقات التنمية والإصلاح في المجتمعات الخليجية والعربية، والريع يشكل نوعاً من الدخل غير المرتبط بدورة الإنتاج: قيم العمل، وبذل الجهد، وتحمل المخاطر، طبقاً للدكتور حازم الببلاوي، والدولة الريعية هي التي تعتمد اقتصاداً يؤول فيه الريع الخارجي إلى فئة صغيرة، تعيد توزيعه على الغالبية، ومن ثم خلق نشاط اقتصادي تابع. هذا النمط الاقتصادي يخلق سلوكاً اجتماعياً نمطياً لفئة تحصل على نصيب من الناتج دون أن يكون لها أي إسهام أو مسؤولية في تحقيقه، هذا الوضع الاستثنائي أفرز (عقلية ريعية) مهيمنة على معظم مراكز الإنتاج العربي، والاقتصاد العربي عامة.ولعل من أوائل من شخص الظاهرة الريعية وتأثيراتها الاجتماعية والسياسية في المجتمع الخليجي سلباً وإيجاباً المفكر الكويتي المعروف الدكتور محمد غانم الرميحي، في العديد من مقالاته وبحوثه ومؤلفاته، منها: الجذور الاجتماعية للديمقراطية في الخليج، وكتابه المشهور: الخليج ليس نفطاً، وأذكر أنه حاضر بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث بالدوحة، يناير 2002، وشخص المعوق الأكبر للتنمية الخليجية، بأنه: الثقافة المجتمعية السائدة، ولخص في عبارة موجزة وبليغة وضعية المجتمعات الخليجية المعاصرة، بأنها مجتمعات ريعية في نشاطها الاقتصادي، وقبلية في بنيتها الاجتماعية، موضحاً أن الاعتماد شبه الكامل على مداخيل النفط أحدث تصدعاً في قيم الإنتاج والعمل، وأدى إلى اختفاء العديد من القيم التي بني عليها، واعتمدها الاقتصاد التقليدي في الخليج، كما أوجد خلطاً شديداً بين قيم الحداثة وقيم التقليد، فأصبحت المجتمعات الخليجية خليطاً قيمياً وثقافيا متناقضاً: بين قيم القبلية السياسية، وسن الدساتير الحديثة، والثقافة الاجتماعية التي يتزامن فيها الطب بالطبوب (الشعوذة)، وبين السفر بالطائرة مع عزل المرأة، والثقافة الاقتصادية التي يتآخى فيها الرزق الوفير مع العمل القليل، والشرب من مياه معالجة مع المناجاة لإنزال المطر، وكان من نتائج كل ذلك: انخفاض معدلات الأداء، وارتفاع تكاليف الإنتاج، وتدني المشاركة الاجتماعية، ومن ثم غياب المشروع التنموي برمته.
تشخيص المعوق الريعي طبقاً للدكتور الرميحي وزملائه من رواد التنمية الخليجية الأوائل كان هماً مبكراً لمثقفي الخليج على اختلاف مشاربهم السياسية، ولطالما خاطبوا حكوماتهم بترشيد الإنفاق والشفافية، وتوظيف نعمة النفط لتحقيق التنمية المستدامة، ولطالما حذروا من استنزاف الريع في الإنفاق المظهري الترفي، وتشهد قاعات منتدى التنمية الخليجي، على امتداد 37 عاماً، ترديد أصداء هذا التحذير، ولكن لا مجيب!ظهر مؤخراً كتاب "نقمة النفط" للمفكر الكندي مايكل روس، ترجمة محمد هيثم نشواتي، إصدار منتدى العلاقات العربية والدولية، كتارا، الدوحة، 2013. أدعو القرّاء للاطلاع عليه، فهو مرجع بالغ الأهمية، للمثقفين والباحثين وصناع القرار في منطقتنا، شملت الدراسة تأثيرات عائدات الطاقة الأحفورية على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لـ170 بلداً على مدى 50 عاماً، بدءاً من1960. يبدأ الكتاب بعبارة مثيرة للجدل، فيقول: منذ 1980 أضحت بلدان العالم النامي أكثر ثراء، وأكثر ديمقراطية، وأكثر سلاما، ولكن ذلك لا ينطبق إلا على البلدان التي لا نفط لديها، وهذا صحيح نسبياً، باستثناء الدول العربية غير النفطية، التي ازدادت سوءاً، بعد كوارث الربيع. للريع النفطي خصائص استثنائية طاغية، ودول نفطية قليلة نجحت في التحرر منها، أبرزها: 1- النفط معوق للديمقراطية في البلدان التي لا تمتلك مؤسسات قوية، إذ سببت الثروة النفطية العديد من العلل السياسية والاقتصادية، طبقا لمعادلة: نفط أكثر ديمقراطية أقل.2- النفط يساهم في إطالة عمر التسلط وتمكينه، عبر زيادة الإنفاق، وتخفيض الضرائب، وشراء الولاءات، وتغطية الفساد، وتغييب المساءلة.3- النفط يعزز الثقافة الذكورية، ويرسخ المجتمع الأبوي-البطريركي، ويضعف المساواة بين الجنسين، وهو العامل الرئيس في تردي وضعية المرأة العربية، لا التراث الإسلامي ولا الثقافة العربية. 4- كلما زادت الثروة النفطية زادت الحروب الأهلية والنزاعات الخارجية. أخيراً: النفط معوق حقيقي للتجديد والإصلاح عامة، والخطاب الديني خاصة، وقارن، على سبيل المثال، الخطاب الديني المغاربي المتطور والمتحرر من قبضة النفط، بالخطاب المشارقي التقليدي الخاضع لهيمنته.ختاماً: كتب الأخ الدكتور محمد عبدالرحيم كافود، عن معوقات التجديد في الوطن العربي، فأحسن وأجاد، ويبقى أن نضيف المعوق الريعي إلى جملة تلك المعوقات.* كاتب قطري