درس الكوريتين!
بعدما سقط "الجدار" بين الكوريتين، كما سقط جدار برلين بين الألمانيتين؛ ألمانيا الغربية، وألمانيا الشرقية، في عام 1989، فإن كل عربي يشعر بالحسرة بالتأكيد وهو يرى كل هذه الجدران السياسية والنفسية المرتفعة حتى ملامسة غيوم السماء بين العديد من دولنا العربية، التي من المفترض أنها تشكل دولة "كونفدرالية" واحدة في هذا الزمن الذي ظهرت به التكتلات الدولية المتعددة، كالاتحاد الأوروبي وغيره، لمواجهة تحديات ومتطلبات المستجدات الكونية، وحيث العالم بأسره تحوَّل إلى قرية صغيرة.على مدى القرن العشرين، الذي - ونحمد الله الذي لا يُحمد على مكروه سواه - شهد بدل الدولة الواحدة، التي بقيت حلماً لأجيال عربية كثيرة متلاحقة على مدى سنوات احتوائنا في السلطنة العثمانية، كل هذه الدول المتناثرة من المحيط الهادر إلى الخليج (الثائر)، والمنضوية في الجامعة العربية كرؤوس مؤتلفة وقلوب مختلفة، والتي من المفترض أن ما يجمعها أكثر كثيراً مما يفرِّقها، والتي تواجه كلها تحديات مشتركة، أخطرها كل هذا الذي يجري في العراق وسورية واليمن ولبنان... والذي يجري بالأساس في فلسطين، التي من المفترض أنها "تجمع" ولا "تفرِّق".
قبل أن يلتقي الرئيسان الكوريان؛ الشمالي كيم جونغ أون، والجنوبي مون جاي إن، في الخط الفاصل بين الكوريتين اللتين جاءتا كنتيجة للصراع بين الكتلة الغربية؛ الولايات المتحدة ومن معها، والكتلة الشرقية؛ الاتحاد السوفياتي ومن معه، كان التصعيد بين هاتين الدولتين وصل إلى ذروته، وكاد يؤدي إلى استخدام بيونغ يانغ لقنابلها النووية "الوليدة"، لكن يبدو أن الحسابات الهادئة تغلبت على الحسابات "المتهورة"، فكان هذا اللقاء والاتفاق على العمل من أجل نزع السلاح النووي، وبالكامل، من شبه الجزيرة الكورية.وبالطبع، فإن أول المرحِّبين بهذا اللقاء، الذي من المفترض أن تترتب عليه تحديات ومخاطر وأخطار كثيرة؛ أولاً اليابان، التي بقيت تخشى وحدة الكوريتين، وظلت، على مدى كل هذه السنوات الطويلة منذ بدايات خمسينيات القرن الماضي حتى الآن، تخشى من انفجار نووي بين هاتين الدولتين يُعيدها بعد كل هذه الإنجازات العظيمة إلى نقطة الصفر، وإلى ما كانت عليه بعد الحرب العالمية الثانية، وثانياً الصين، التي تنشغل بصعودها الاقتصادي الهائل، وتحاول تحاشي أي توترات في الشرق الأقصى كله قد تؤدي على الأقل إلى مواجهات إقليمية مكلفة ستضطرها لتكون مشاركاً رئيساً فيها.والمهم أن تلاقي الكوريتين هذا، إن هو تواصل ولم يتعرَّض لأي من الانتكاسات المتوقعة والمحتملة الكثيرة، يجب أن يكون حافزاً للدول العربية المتخاصمة على لا شيء أن تراجع حساباتها جيداً، وأن تضع المصالح المشتركة فوق كل هذه "المزاجيات" المفتعلة، وهنا فإنه من المفترض أن تكون هناك حدود سياسية وأمنية لكل دولة عربية في تعاطيها مع أي دولة شقيقة، ويجب عدم تجاوز هذه الحدود، للحفاظ على العلاقات الأخوية المطلوبة، وذلك إن لم تكن هناك إمكانية للتفكير بأي خطوة وحدوية، ولو في المجال الاقتصادي والمجالات الثقافية.