الطريقة التي يتعامل فيها الرئيس الأميركي مع العالم العربي، وتحديداً دول الخليج، مثيرة للاشمئزاز، والاستسلام لهذا النوع من الخطاب السوقي والوقح بالتأكيد يشجع الرجل على المزيد من التمادي والبلطجة السياسية، وتوجيه الإهانات دونما الاكتراث بأي آداب دبلوماسية أو أخلاق سياسية يعكس حتى صورة الولايات المتحدة وهيبتها كقوة عظمى في العالم.قد يكون أسلوب دونالد ترامب مقززاً بشكل عام حتى مع خصومه الأميركيين، وهذا ما عكسه في حملته الانتخابية ليس ضد مرشحي الحزب الديمقراطي بل حتى مع منافسيه من الحزب الجمهوري، ولكن طريقته في بذاءة اللسان كان يرد عليه بالأسلوب ذاته والمستوى نفسه بغض النظر عن نتائج ذلك التلاسن اللفظي.
فقد استهل ترامب حملته الانتخابية بالسباب لدول الخليج، وتعهد أمام ناخبيه بابتزاز هذه الدول مالياً، والتعامل معها كبقرة حلوب يتم ذبحها بعد نهب كل خيرها، وها هو ينفذ تهديداته بشكل منتظم وتصاعدي، وتصل به الحال أن يصدر الأوامر بتحصيل فاتورة كل سياساته في المنطقة من دول الخليج، لكن أن يصل مستوى تعاطيه مع حكومات المنطقة بأنها لن تصمد أسبوعاً لولا حماية الولايات المتحدة لها، فهذا سلوك سياسي مشين ولا يليق مع الخصوم فكيف بالحلفاء والأصدقاء.قد تكون منطقتنا في دوائر الخطر والتوتر، وقد يكون التحالف مع القوى الكبرى ومنها الولايات المتحدة من استراتيجيات الأمن الإقليمي، ولكن يجب ألا نغفل التوازنات الدولية والأهم من ذلك بحث الأمن الإقليمي من منظور مصالح الدول المعنية في المنطقة وتنشيط دبلوماسية الحوار بكل درجات الشفافية، كما يجب أن نستذكر المواقف الأميركية عبر التاريخ في خيانة حلفائها والتخلي عنهم في أصعب الظروف، ففي ذروة الحرب الباردة أدارت الولايات المتحدة ظهرها لأقرب أصدقائها وتركت الشيوعية السوفياتية تبلتعهم الواحد تلو الآخر في شرق العالم وغربه، بل في العمق الأوروبي وعلى تخوم أميركا في القارة اللاتينية.ومن حقنا أن نتساءل: لماذا يتراجع ترامب عن تهديداته ضد الاتحاد الأوروبي واليابان وروسيا والصين وكوريا الشمالية وكندا والمكسيك، في حين يستأسد مع دول الخليج بعد كل وجبة من المليارات، بل يتخذ بعد ذلك مباشرة قرارات لمصلحة إسرائيل متحدياً بذلك مشاعر مئات الملايين من العرب والمسلمين، وضارباً بكل القوانين الدولية عرض الحائط؟ لا نريد أن نستعدي الولايات المتحدة كقطب عالمي واقتصاد أممي وقوة عظمى أو شعبها المسالم بسبب عنتريات رئيس تدور حول فوزه في الانتخابات عشرات الشبهات، ولكن عليه أن يتعلم دروساً في الأخلاق والأدب السياسي، فبقدر ما قد تحتاجه حكوماتنا عسكرياً وأمنياً يحتاج هو شخصياً أموالنا الطائلة التي باتت الحسنة الوحيدة في إدارته الحالية، وتحمّل الشعب الأميركي لجنونه، وإلا فسيفلس مالياً إلى جانب إفلاسه السياسي الصريح!
مقالات
«قواة عين سياسية!»
01-05-2018