ما يستطيع الديمقراطيون تعلُّمه من إيمانويل ماكرون
لا يتفق ماكرون وترامب كثيراً، فماكرون عالمي وترامب قومي، وماكرون يؤيد التجارة الحرة، في حين فرض ترامب لتوه رسوماً جمركية حمائية على الفولاذ والألمنيوم، يريد ماكرون أن تبقى الولايات المتحدة في سورية، في حين يسعى ترامب للخروج، ويود ماكرون الحفاظ على الصفقة النووية الإيرانية، بخلاف ترامب الذي يريد تقويضها، ويرغب ماكرون في انضمام الولايات المتحدة إلى صفقة باريس للمناخ، فيما انسحب ترامب من هذا الاتفاق.رغم ذلك ها هما الرئيسان الفرنسي والأميركي يتبادلان القبل عند مدخل البيت الأبيض، يشبكان يديهما بقوة على منصة المؤتمر الصحافي المشترك، ويسيران اليد باليد في ممر معمّد، ويضربان الكؤوس خلال أول عشاء رسمي خلال رئاسة ترامب، كذلك أعلن ترامب عن ماكرون: "إنه ممتاز".ولكن كيف يمكن لرجلين يقفان عند طرفَي نقيض أن يتفقَا إلى هذا الحد؟ الجواب بسيط، صحيح أن ماكرون يتمسك بموقفه في المسائل المهمة بالنسبة إليه، إلا أنه يتعامل باحترام مع الرئيس الأميركي، واكتشف أن هذا الاحترام متبادل، وعلى الديمقراطيين في واشنطن تجربة هذه الطريقة.
فخلال مأدبة عشاء أوضح ماكرون طريقته، قائلاً: "كلانا ندرك ألا أحد منا يبدّل رأيه بسهولة، لكننا سنعمل معاً، ونتمتع بقدرة إصغاء أحدنا إلى الآخر".أليس من المفرح أن نسمع زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ شارلز إ. شومر أو زعيمة الأقلية في مجلس النواب نانسي بيلوسي يقولان الأمر عينه؟ في ختام زيارته سئل ماكرون عن كيفية تمتعه بعلاقة قوية إلى هذا الحد مع ترامب ومخالفته الرأي في عدد كبير من المسائل، فأجاب: "ينطبق الأمر عينه على كل العائلات، لنتشاطر وجهات النظر المختلفة، فمن السخف أن نقول: "لا أوافقك الرأي ولا أريد التكلم معك". نعم، إنه كذلك.ولكن بدل الاكتفاء بالتصفيق لكلمات ماكرون ينبغي للديمقراطيين على الأرجح أن يتمثلوا بأعمال الرئيس الفرنسي، فما عاد الحزب الديمقراطي اليوم المعارضة، بل نصّب نفسه "مقاومة" تعتبر أن مهمتها منع ترامب من القيام بأي أمر أو تحقيق أي إنجاز، حتى في المجالات التي يتعاون فيها الحزبان تقليدياً، مثل الموافقة على المرشحين المؤهلين، يواجه مرشحو ترامب معارضة ديمقراطية شبه موحدة. صحيح أن التعاون في مسائل صعبة، مثل الاقتطاعات الضريبية أو برنامج أوباما للرعاية الصحية، قد يبدو مستبعداً جداً، إلا أن كره الديمقراطيين لترامب يعميهم بشدة، حتى إنهم يعجزون عن حمل أنفسهم على التعاون في المسائل التي يزعمون أنهم متفقون عليها، مثل البنية التحتية أو توسيع نطاق الحماية بموجب برنامج "الإجراء المؤجل لقدوم الأولاد"، ولا شك أن هذه الإخفاقات تسيء إلى الملايين من المواطنين العاديين الذين يعوّلون على تعاون القادة في واشنطن معاً للترويج لخير البلد.لكن زيارة ماكرون تُظهر ألا داعي أن يكون الوضع كذلك، يستطيع الناس أن يتبنوا آراء متباينة جداً ويتعاونوا معاً رغم ذلك، وما من سبيل إلى معرفة ما يفكر فيه ماكرون عن ترامب في أعماقه، قد يكون الدفء بينهما صادقاً، وقد يكون مبنياً، كما ذكر ماكرون في خطابه في الكونغرس على الطريقة التي صاغ بها لافايت وواشنطن "علاقات وثيقة تقوم على الاحترام والود"، أو ربما قرر ماكرون التصرف باحترام ولباقة ليروّج لمصالح فرنسا والعالم لأنه يدرك أن المخاطر قد تكون كبيرة إذا اتبع مساراً معاكساً.ربما على الديمقراطيين أن يقوموا بالمثل، نواجه في الولايات المتحدة الكثير من التحديات الدقيقة التي ينبغي للجمهوريين والديمقراطيين معالجتها، فضلاً عن أن المخاطر أكبر من أن نسمح لأنفسنا بالغوص في مشاعر الكره.قد نبالغ على الأرجح إذا توقعنا من ترامب وشومر أن يتمتعا بعلاقة حب وإخاء ومن ترامب وبيلوسي أن يتبادلا القبل في الهواء، ولكن يجب أن يتعلم الديمقراطيون الدروس من زيارة ماكرون: من المذهل ما تستطيع تحقيقه عندما تعامل رئيس الولايات المتحدة بالاحترام والوقار اللذين يفرضهما منصبه، لذلك يدفعني هذا السلوك إلى القول: لتحيَ فرنسا!* مارك ثيسن*«واشنطن بوست»