مع أن الانتخابات العراقية المقررة في 12 الجاري، وصفت بأنها الأقل في منسوب التراشق الطائفي الذي اعتدناه في التجارب السابقة، فإنها تدريجيا تتجه إلى التصادم داخل المجتمع الشيعي لتصل إلى مستويات غير معتادة خلال الايام الاخيرة، إلى درجة أن رجال دين بارزين يخوضون مواجهة مع فقهاء كبار من مدينة قم الإيرانية في إطار صراع طهران وبغداد على نفوذ الميليشيات الموالية للمرشد علي خامنئي، والتي تنافس الاحزاب والتيارات التقليدية في العراق حتى داخل المدن السنية المهمة كالموصل والرمادي.

يأتي هذا وسط ترقب واسع لاشارات يفترض أن تصدر من مرجعية النجف العليا وآية الله علي السيستاني الداعم للاجنحة المعتدلة، من شأنها حث الناخبين الشيعة على تجنب مرشحي إيران ورئيس الحكومة السابق نوري المالكي، ودعم التيارات المنادية بالإصلاح والمكونات ذات الميل العلماني.

Ad

ويصطف رئيس الحكومة حيدر العبادي مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وقوى يسارية وليبرالية واحزاب قومية في مختلف المدن، في جناح يدعو إلى تصحيح علاقات العراق الإقليمية والدولية ونزع التوتر مع الجيران، وإعادة الاعتبار لسيادة الدولة ودعم الجيش وتحجيم الميليشيات الموالية لإيران، ويحظى هؤلاء بتشجيع من مرجعية النجف، وفي المقابل يقف نوري المالكي قريبا من تجمع انتخابي ضخم للميليشيات تحت اسم قائمة الفتح، طامحين إلى استرداد نفوذهم الذي تراجع بين عامي 2014 و2017 حين نجحت القوات النظامية في إنهاء وجود تنظيم داعش وسرقت الاضواء والتعاطف الشعبي من الفصائل المقربة إلى طهران.

وفي غضون بضعة ايام توالت الضربات التي وجهها الجناح العراقي الموصوف بالاعتدال والاكبر نفوذا، ضد حلفاء طهران، وبدأ الأمر مع تسريبات صحيفة واشنطن بوست الاميركية لتفاصيل تتعلق بخطف الميليشيات صيادين قطريين بينهم شخصيات بارزة، كانوا في رحلة عبر بادية العراق قبل ثلاثة اعوام، ثم الافراج عنهم مقابل ملايين الدولارات بوساطات إيرانية وسورية رفيعة، ما جعل الشارع العراقي يصف قائمة الحشد الشعبي الانتخابية بأنها "تجمع لقطاع الطرق" وهو ما يعزز غضبا شعبيا يتزايد من ممارسات المسلحين لعمليات خطف وابتزاز وترويع تؤدي احيانا إلى خوض مواجهات مع قوى الامن، في صراع ترعاه إيران داخل المنطقة الشيعية المهمة في العراق.

ثم تلا ذلك تورط الميليشيات في اغتيال مسؤول مالي كبير تابع لجناح العبادي كان يدقق في سرقات واختلاسات كبيرة لامراء الحرب الموالين لطهران، ما ادى إلى استنكار واسع، دفع آية الله كاظم الحائري، وهو فقيه يقيم في إيران ويعد صديقا ومستشارا للمرشد علي خامنئي، إلى إصدار بيان مطول لانقاذ ما يمكن انقاذه، يدعو فيه العراقيين إلى التصويت لقائمة الميليشيات ومنع فوز من يدعو إلى التطبيع مع الرياض، في اشارة خصوصا إلى حكومة العبادي وتيار الصدر ورئيس الحكومة الاسبق اياد علاوي والقوى العلمانية العابرة للطوائف.

إلا أن الرأي العام تلقى باستهجان هذه الاشارات ما شجع كما يبدو مقتدى الصدر إلى كتابة بيان هو الاكثر جرأة حتى الآن، خاطب فيه آية الله الحائري قائلا إن من حقه التدخل كفقيه وارشاد اتباعه، لكنه تساءل بالقول: "دعوناه للعودة إلى العراق لكنه لم يفعل... ولن يتسنى له ذلك" في تلويح بمدى الغضب من مواقف جناح خامنئي داخل النجف التي تحرص على بناء مواقف مستقلة عن طهران منذ سنوات.

أما الجدل الذي يتصاعد في مستوى أعلى فهو المتعلق بما يتداول بين الأوساط السياسية والشعبية حول استعداد المرجع الأعلى علي السيستاني إلى خوض مواجهة تمنع الميليشيات من استغلال تعاطف الناس مع شهداء الحرب على تنظيم داعش، وطموحهم إلى تكوين كتلة نيابية كبيرة، ويردد الناس أن المرجع سيصدر اشارات متعددة من شأنها حث الناخبين الشيعة على تجنب مرشحي إيران ورئيس الحكومة السابق نوري المالكي، ودعم التيارات المنادية بالإصلاح والمكونات المدنية ذات الطابع العلماني.

ويمكن لنفوذ النجف الروحي أن يؤثر بقوة في نسبة كبيرة من الناخبين العراقيين، ما أتاح بروز اشاعات كثيرة تفيد بأن العديد من الشخصيات الشيعية الداعمة للميليشيات أو المترشحة في قوائمهم، قد يعلنون تغييرا كبيرا للاصطفاف مع النجف، التي يبدو انها تخوض واحدة من أكثر المواجهات حرجا مع طهران، في التاريخ السياسي الحديث للشيعة.