بعد لقاء الكوريتين... هل يوحي ذلك بأمر مماثل عندنا؟

في مثل هذه الأيام، قبل 3 سنوات، قمنا بزيارة بوفد جامعة الكويت لكوريا الشمالية.

وصلنا إلى بيونغ يانغ في يوم العمال، ولم يكن ذلك مخططاً له، وهو يوم عطلة كبرى، ونقلنا مضيفونا مباشرة إلى الساحة الكبرى في الفضاء الطلق، كانت الساحة مليئة بآلاف الشباب والشابات يرقصون رقصاتهم الشعبية بملابسهم الزاهية.

صور "الزعيم المحبوب من 40 مليون كوري" كيم إيل سونغ (هكذا لقبه الرسمي) تنتشر في كل مكان وكل سكة وكل زنقة، وكذلك ابنه إيل جونغ، أما الحفيد جونغ أون، الرئيس الحالي، فلن تجد له صوراً كثيرة، حيث ترفع الصور بعد وفاته. تعلمت حينها أن كيم هو اسم العائلة وليس اسم الشخص. ومع أن النظام يحكم بعقيدة "جوش"، وهو مبدأ ماركسي طوره إيل سونغ فإن تقديس الحاكم يتجاوز الماديات، إلى الغيبيات.

متحف الحرب الذي انتهى العمل به، وتم افتتاحه في سنة 2013 ، استغرق إنجازه من التصميم إلى التنفيذ عشرة أشهر فقط، برغبة ومتابعة شخصية من الرئيس، حيث يؤكدون أنه زار الموقع أكثر من 22 مرة، ربما نتعلم منهم أمراً نفتقده. إيل جونغ وضع مبدأ الجيش أولاً، ويعد الجيش الكوري رابع جيش في العالم، ولديه احتياطي هو الأعلى بأكثر من9 ملايين.

بالنسبة لكوريا الشمالية فإن الحرب مازالت قائمة، تلحظها في كل زاوية وكل مبنى، وكل خطاب، الثقافة كلها حرب، والعدو على الأبواب. السلطة الأمنية شديدة التحكم في حياة الناس.

منذ توقف الحرب عام 1953 بهدنة وليس اتفاق سلام، صارت كوريا هي أكبر محطة عسكرية في العالم، أما المنطقة الحدودية بين الكوريتين، والتي يطلق عليها "منطقة منزوعة السلاح"، فيوجد فيها أكبر ترسانة أسلحة وجيوش، وهي على حافة الانفجار بأي لحظة. وعندما دخلت كوريا الشمالية النادي النووي، زادت حدة الاستقطاب، وصار الحديث عن تهديد مباشر للولايات المتحدة أمراً واقعياً.

لا أظن أن هناك من تخيل لقاء مباشراً بين زعيمي الكوريتين، في حقبة هي الأشد توتراً. بطبيعة الحال طريق السلام طويل ومعقد، والشكوك حول نتائج سريعة موجودة وواقعية، ولكنه لقاء تاريخي يختزل أزماناً من الهدر واللامعقول وضياع الفرص. ربما لم يعد على كوريا الجنوبية عبء دفع مبالغ طائلة للحماية الأميركية، وهو ما ذكره الرئيس الأميركي قبل أيام عن دول خليجية.

ليس هناك منفذ للهدوء في منطقتنا إلا البدء بحوار جاد بين أطراف النزاع. في أبريل 2015 كتبت "اتفاق شامل؟ ولم لا؟"، وعدت مرة أخرى فكتبت في يناير 2016 "لا حل إلا بالتقارب السعودي الإيراني"، وما زلت أرى ذلك.

أما آن الأوان للتفكير في منطق السلام، بدلاً من منطق الحرب، فقد تعبنا في هذه المنطقة من حروب، يظنها العطشان ماءً وهي ليست إلا سراباً. فالسلام والتفاوض مهما كان صعباً ومعقداً ومتعباً، فهو أقل تكلفة، ووطأة، وقسوة من الحروب. ولا أظن أنني بحاجة إلى تبيان كشف حساب خسائر الحروب.

الدعوة للحوار ليست من باب المثاليات، لكنها مستندة إلى المصالح المباشرة للشعوب، وربما الحكومات أيضاً، كلها دون استثناء، إلا إسرائيل.