لو لم ينعقد هذا «المجلس»!
كان يجب أن ينعقد المجلس الوطني، الذي عُقد في رام الله يوم الاثنين الماضي، فالأوضاع الفلسطينية، بعد كل هذا التعثر الذي شهدته عملية السلام، وفقاً لاتفاقيات أوسلو، وبعد "انفصال" حركة حماس وانقلابها على منظمة التحرير والسلطة الوطنية في عام 2007، وبعد أن أصبح واضحاً أنها تسعى للاكتفاء بدولة غزة، باتت تستدعي إنعاشاً للشرعية، الممثلة في هذا المجلس، الذي من المفترض أن تنبثق عن اجتماعه هذا قيادة جديدة تقود العمل الفلسطيني في كل هذه المنعطفات الخطيرة والمستجدات التي تستدعي قرارات حاسمة وصارمة وشجاعة.ولعل ما لا يزال يتذكره الذين لم تصدأ ذاكرتهم بعد، أن دورة هذا المجلس هذه، أي دورة رام الله، تشبه الدورة التي عُقدت في عمان عام 1984، حيث كانت القيادة الفلسطينية انتقلت من بيروت إلى تونس عام 1982، بعد احتلال إسرائيل جزءاً من لبنان، من بينه العاصمة اللبنانية نفسها، وحيث كانت هناك مشاريع سلام مطروحة على أساس قرارات "قمة فاس" العربية الثانية، ومن ثم كان يجب أن يكون هناك موقف فلسطيني شرعي يصدر عن هذا المجلس، الذي هو بيت الشرعية الفلسطينية.
كان حافظ الأسد يريد أن تنتقل القيادة الفلسطينية من بيروت إلى دمشق، ليخرج القرار من يد منظمة التحرير إلى يده، لذلك بذل جهوداً مضنية، من بينها التهديد باستخدام طائراته المقاتلة، والضغط على التنظيمات التي كان وضعها "تحت إبطه"، لمنع انعقاد المجلس الوطني في عمان بتلك الدورة، التي لو لم تنعقد لتغير المسار الفلسطيني، ولأصبحت حال تنظيمات الفلسطينيين كحال هذه التنظيمات (الوهمية) المقيمة في العاصمة السورية، التي يقاتل الآن ما تبقى منها الشعب السوري، جنباً إلى جنب مع حراس الثورة الإيرانية والميليشيات الطائفية وحزب الله اللبناني.لم تكن حركة حماس قد بزغ نجمها، الذي لم يبزع إلا في عام 1987، عندما ساد إحساس بأن هناك خططاً، وليست خطة واحدة، لإزاحة القيادة الشرعية الفلسطينية، واستبدالها بقيادة بارتباطات دولية، هي التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، كما هو عليه الوضع الآن، لهذا فقد أنيطت مهمة إفشال "مجلس عمان"، ومنعه من الانعقاد بـ"الرفاق" اليساريين، الذين كانت تمثلهم الجبهة الشعبية، ومعها "الصاعقة" و"جماعة أحمد جبريل" وبعض فتات المائدة التنظيمية الفلسطينية، لكن هذا المجلس انعقد رغم أنوف المعارضين، كما هو مجلس "رام الله"، الذي لو لم ينعقد لتشرذم الوضع الفلسطيني، ولأقامت حركة المقاومة الإسلامية "دولة عموم فلسطين" في القطاع، ولاستراحت إسرائيل من كل هذا الذي تكابده بوجود الشرعية على الأرض الفلسطينية.نحن نعرف دافع "حماس" لرفض انعقاد المجلس الوطني في رام الله، فهي لا تريد شرعية فلسطينية إلا شرعيتها، وهي لا تريد قراراً فلسطينياً إلا قرارها. إنها صاحبة مشروع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، الذين لا ينظرون إلى الضفة الغربية إطلاقاً، فعينهم على غزة وجزء من سيناء، أما الجبهة الشعبية فموقفها، حقيقة، مستغرب ومحير، فقيادتها الفعلية الحقيقية في فلسطين؛ إما في رام الله، أو في السجون الإسرائيلية، وكانت قد وافقت على قرار "مجلس الجزائر" عام 1988، الذي كان بداية التعاطي الفعلي مع العملية السلمية التي بدأت بـ"أوسلو"، وحققت إنجازات لا ينكرها إلا متحيز في الاتجاه الآخر، أو أعمى بصر وبصيرة!