ثمانينيات جابر وأوبريتات «التربية»

لم أسمع كلمة انتقاد واحدة على العرض الرائع الذي اختتم به مركز جابر الأحمد الثقافي فعالياته لهذا الموسم، وأقصد هنا عرض الثمانينيات، هذا العرض المتكامل من حيث المضمون والمختلف والجديد كليا من حيث الفكرة على الأقل في الكويت والمنطقة الخليجية.

أكثر من 10 آلاف شخص حضروا العرض بمقابل مادي، ونتيجة للإقبال الكبير تمت إضافة عرض رابع ليتمكن أكبر قدر من الجمهور من حضور العرض، مع وعد باستمرارية هذا العمل الإبداعي في المواسم الثقافية القادمة في مركز جابر الثقافي.

هذا الإقبال الكبير والإشادة العامة من الناس لم يكونا مجاملة أو تزييفا للواقع، بل كانت كلها آراء صادقة معجبة محفزة للمزيد من الإبداع، والسبب ببساطة هو أن ما قُدم في تلك العروض كان عملا إبداعيا مختلفا عما هو سائد ومكرر وممل، عملاً وظف الإمكانات والطاقات والعناصر الموجودة في الكويت أصلا وحولها لـ90 دقيقة من الإبداع والفن الجميل والمختلف، فجعل الجمهور يتكبد عناء الذهاب والالتزام ودفع الأموال من أجل حضور هذا العرض الكويتي.

لم يكن الإبداع هو ما شاهدناه في عرض الثمانينيات فحسب، بل لقد كشف لنا عرض الثمانينيات ضحالة ما يقدم فنيا في الحفل السنوي لوزارة التربية، وهو الأوبريت الذي تحول في السنوات العشر الماضية إلى مناسبة مملة مكررة لا تستمتع بها إلا الشركات المنفذة لها، وبعض الأطفال ممن يحصلون على الدرجات في مدارسهم نظير مشاركتهم في هذا الحفل المكرر الخالي من الفن والإبداع، مجرد أغنيات معلبة وألحان مكررة وأزياء ملونة ورقصة جماعية أخيرة وخلاص، لا يتذكر مضمونها أحد ولا يعرف سنة إنتاجها أحد ولا يعيرها أي اهتمام سوى بعض أولياء أمور التلاميذ ممن يسعدون بمشاهدة أبنائهم وبناتهم.

لقد قاد هذا التعليب السيئ على مر السنين إلى فقدان كل حس فني لدى الكثير من الشباب، فباتت كلمة حفل أو أوبريت وطني تعني لهم مسرحا ومجاميع كبيرة وعددا من الشاشات، تعرض ألوانا وشلالات واستخداما للحن نقازي في آخر أغنية من الأوبريت، ومن ثم ترديد النشيد الوطني و"فمان الله"، بهذه النمطية يتم وضع العقول في قالب كريه سيعتقد أن الخروج من هذا الصندوق الممل كفر، وهو ما تقوم به اللجنة العليا لهذه الاحتفالات المملة.

أتمنى فعليا أن يكون عرض الثمانينيات وما حمله من رؤية مختلفة وأجواء إبداعية بعيدة عن النمطية درسا تتعلم منه اللجنة العليا المنظمة للاحتفاليات المملة، فلا بأس من الاستعانة بالمبدعين والخروج من "الكمفورت زون" المتمثل بشركة إضاءة وملحن واستوديو ومدارس وزارة التربية دون أي بصمة تستحق أن نشاهدها أو نتذكرها مستقبلا.