أكد وزير المالية د. نايف الحجرف، أن الكويت كانت حاضنة لصناعة التمويل الإسلامي ومنشأ انطلاقتها في أيامها الأولى، لافتاً إلى أن الفضل في ذلك مرده إلى الرعاية، التي أولاها قادة الكويت لهذه الصناعة منذ أن كانت فكرة في أذهان روادها ومبادرة من المبادرات، التي دأب أبناء الكويت على اتخاذها. وقال الوزير في كلمته التي ألقاها، أمس، ممثلاً راعي مؤتمر "المالية الإسلامية: أطروحة عالمية" سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، إن بنك الكويت المركزي عقد الدورة الأولى للمؤتمر عام 2015 بالتعاون مع صندوق النقد الدولي وتناولت العديد من القضايا، التي تمس مستقبل تلك الصناعة ودارت النقاشات حول تلبية صناعة المالية الإسلامية للطموحات العالمية.
ولفت إلى الأثر الواقعي لأعمال هذا المؤتمر، الذي يعقد دورته الثانية في الكويت ليصبح منصة عالمية في تبادل الآراء بين قادة هذا المجال وصناع القرار فيه، يتداولون فيه الأفكار حول الواقع وتحدياته والمستقبل وآماله. وأوضح أنها فرصة غالية يجتمع المعنيون بهذه الصناعة، فيتاح لكل منهم أن يدلي بدلوه بشأن تطوير الصناعة المالية الإسلامية واقتراح الحلول والتوصيات لكل ذلك، وصولاً إلى صناعة مالية إسلامية تؤدي الدور المطلوب منها وتساهم بفعالية في تعزيز الاستقرار الاقتصادي ودعم عجلة التنمية. وذكر أن الكويت لها الأسبقية في إطلاق هذه الصناعة وتنمية الطريق أمام انطلاقتها عالمياً وإقليمياً، وما زال العمل متواصلاً لتطوير هذه الصناعة وتدعيم ركائزها، ولا تقتصر تلك الجهود على الدعم المعنوي أو توفير الأسس التشريعية، بل تمثلت بحرص دولة الكويت على بناء المؤسسات الحكومية التي يقوم عليها الاقتصاد الحديث وحرصها على إيجاد البنى التحتية، التي لابد منها لعمل النظام المصرفي سواء التقليدي أوالإسلامي، ويتمثل ذلك بوجود نظام مالي ونقدي مستقر وبيئة رقابية وتنظيمية تتبنى سياسات رصينة تدعم النمو والاستقرار.ووجه الحجرف الشكر لبنك الكويت المركزي على سياسته الحصيفة في إدارة الشؤون المالية والنقدية، لافتاً إلى أن الكويت تدعم دائماً على دعم الصناعة المالية الإسلامية.وأشاد الحجرف بدور بنك الكويت المركزي، الذي يضطلع بمسؤولية رسم السياسات النقدية وتنفيذها والإشراف على القطاع المالي والمصرفي والحرص على تطبيق المعايير العالمية، التي تنعكس على القطاع استقراراً ونمواً ولأهمية هذا الدور، فإن الحكومة لا تدخر جهداً في سبيل تعزيز استقلالية بنك الكويت المركزي في إدارة السياسة النقدية وأداء دوره الرقابي وكل مهامه المنصوص عليها في قانون إنشائه.وأوضح أن المؤتمر يتزامن مع الذكرى الـ 50 لتأسيس بنك الكويت المركزي، مما يدعم جهود المركزي الرقابية، التي استمرت 5 عقود من العمل المؤسسي والرقابي لمواجهة التحديات وتخطي المصاعب وتحقيق النجاحات وتخطي المصاعب وتحقيق النجاحات. وتمنى الحجرف أن تثمر النقاشات في هذا المؤتمر حلولاً وتوصيات عملية تسهم في دفع الصناعة المالية الإسلامية. ومن جانبه، أكد محافظ البنك الكويت المركزي د. محمد الهاشل، أن المركزي" أدرك أهمية وضع المعايير الدولية واعتمادها بما يراعي خصوصيات الصناعة المالية الإسلامية، و"أهمية الدور الذي تقوم به هيئات معايير المالية الإٍسلامية لتطوير صناعة مالية إسلامية تتدرع بالحصافة وتتحلى بالشفافية، من هنا كان بنك الكويت المركزي أحد التسعة المؤسسين لمجلس الخدمات المالية الإسلامية عام 2002، واليوم نعتز كل الاعتزاز بالنجاح الذي أحرزه المجلس إذ بلغ عدد أعضائه اليوم 185 عضواً منهم 75 هيئة تنظيمية ورقابية في 57 دولة".وقال الهاشل، إن العالم يواجه اليوم العديد من التحديات الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي تتطلب تناولاً جماعياً، وما تقلبات الأسواق ومحدودية التنوع الاقتصادي ونقص التكافل الاجتماعي والفقر والبطالة إلا بعض ما تواجهه المجتمعات حول العالم، "وإني لأرى جمعنا اليوم يأتلف في حين تزداد الحاجة إلى مساهمة المالية الإسلامية، التي يمكنها أن تؤدي دوراً مرضيا في معالجة تلك القضايا، إن استمسكت بالمبادئ السامية النابعة من ديننا الحنيف، وإن راعت متطلبات الحوكمة المؤسسية الرشيدة.
الصناعة في الكويت
وتطرق المحافظ إلى تطور الصناعة المالية الإسلامية في الكويت، قائلاً إن الغرسة التي غرسها رواد هذه الصناعة في الكويت أورقت وآتت أكلها، والتيار الذي سبحوا ضده ذات يوم أصبح اليوم مواتياً ودافعاً. وأشار إلى أن الصناعة المالية الإسلامية التي بدأت في الكويت بفرع واحد يعمل فيه أفراد أربعة عام 1978 نمت حتى صارت تشكل 40 في المئة من مجمل القطاع المصرفي في الكويت، وغدت تضم خمسة بنوك إسلامية تبلغ أصولها المجمعة 96 مليار دولار، ولها 600 فرع يعمل فيها 12 ألف موظف.وأضاف أن العديد من الدول اتبعت النموذج الذي رسمته تجربة الكويت ومثيلاتها من التجارب الناجحة، نمت المالية الإسلامية على المستوى العالمي خلال العقود الأربعة المنصرمة نمواً استثنائياً، إذ تشير أغلب التقديرات إلى أن أصولها بلغت اليوم 2.2 تريليون دولار، وتوجد اليوم أكثر من عشر دول لديها نظام مصرفي مزدوج (تقليدي وإسلامي) تشكل فيه البنوك الإسلامية ما قيمته 20 في المئة من مجمل أصول القطاع المصرفي، بما يعكس أهمية المالية الإسلامية المطردة، إضافة إلى 44 دولة قامت حتى اليوم بسن قوانين تنظم المالية الإسلامية لدعم تطورها في تلك الدول.تحديات عالمية
وقال إن أولى تلك التحديات تتمثل في أسعار السلع التي ما إن تتقلب حتى تتقلب معها الاقتصادات، ويكاد انخفاض الأسعار يأتي على الاقتصادات النامية إذ هنالك أكثر من 95 دولة نامية، تشكل عوائد تصدير السلع ما يزيد عن 50 في المئة من إيراداتها، وفي المقابل وجدت دراسة حديثة أجراها صندوق النقد الدولي أن الأثر الحقيقي لانخفاض أسعار النفط ما يزال غير ملموس ولربما لا تكون له أي آثار إيجابية على مجمل أوضاع الاقتصاد العالمي.80 دولة
وقال المحافظ الهاشل، إنه أمام هذه التحديات وغيرها من قضايا الاقتصاد الكلي يتحتم على الأطراف المعنية أن تحشد العزائم لتجابهها، مادام الوقت مواتياً والظرف سانحاً، وهنا يتجلى الدور، الذي يمكن للمالية الإسلامية، أن تنهض به، فإنها من خلال مزاياها العديدة وطرحها الشمولي تستطيع أن تكون قاطرة نمو اقتصادي شامل وأن تسهم بسهم كبير في تعزيز الاستقرار المالي مما يؤول رفاهاً ويمناً على الواقع الاجتماعي.وأوضح أنه على الرغم من النمو المشهود والكبير للمالية الإسلامية على مر العقود الأربعة المنصرمة إلا أنها مازالت لا تشكل سوى نحو 2 في المئة من حجم الصناعة المالية العالمية، وعلى الرغم من أن أكثر من 80 دولة تطبق بعض أشكال المالية الإسلامية إلا أنها تبقى محدودة خارج حفنة من الأسواق الرئيسية لهذه الصناعة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب آسيا وجنوب شرقها.وذكر أن الصناعة المالية الإسلامية تبقى أطروحة عالمية تتمتع بالشمولية ويمكنها أن تسهم في مجابهة العديد من التحديات التي يواجهها العالم بشرط البناء على المبادئ والقيم الإٍسلامية والحوكمة المؤسسية والأسس السليمة لإدارة المخاطر، لاسيما فيما يخص التنوع الاقتصادي، إذ يمكن للأدوات المالية الإسلامية أن تسد ثغراً لا يستهان به، فمن أمثلة تلك الأدوات "الصكوك" التي تستخدم على نطاق واسع لهذا الغرض، ففي الأعوام الأربعة الماضية استخدمتها حكومات أكثر من 19 دولة – مسلمة وغير مسلمة – لجمع 100 مليار دولار لتمويل العديد من مشاريع البنى التحتية والمبادرات في إفريقيا وآسيا وأوروبا والشرق الأوسط، ولا تقف منفعة الصكوك عند حد جمع رؤوس الأموال، ولكنها إلى جانب ذلك تساهم في تعميق الأسواق المالية وتطوير الصناعات وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.أصول البنوك الإسلامية
وقال الهاشل، بحسب مسوحات مجلس الخدمات المالية الإٍسلامية، يتركز حاليا 68 في المئة من كل أصول البنوك الإسلامية في منتج المرابحة يتلوها 14 في المئة في منتج الإجارة وأما المنتجات الأخرى مجتمعة فتشكل 18 في المئة من كل الأصول المالية.صناعة مالية
وأشار إلى أن محدودية المنتجات والتركيز على عدد قليل منها تشكل "ثلمة" على الصناعة المالية الإٍسلامية تلافيها، لاسيما أن الكثير من الأصول المعروضة للمرابحة ماهي إلا سلع استهلاكية لا تسهم كثيراً في التنمية الاقتصادية نظراً لطبيعتها.ويمكن تلافي ذلك بتوظيف المنتجات الأخرى مثل السلم أو الاستصناع وغيرها بدلا من اقتصار التركيز على المرابحة، فهذه المنتجات تساهم في تطوير أصول اقتصادية حقيقية، وسوف يكون لذلك تأثير ملحوظ على الاقتصاد، حيث تظهر تحليلاتنا أن التركيز على هذين المنتجين سيسهم، خلال السنين الخمس المقبلة، في توفير 800 مليار دولار لتطوير أصول حقيقية تغطي قطاعات اقتصادية حيوية بما فيها الصناعة والإنشاء والزراعة، وهي مجالات لها تأثير مضاعف عبر الاقتصاد ككل، وهذه هي المقاصد الحقيقية للمالية الإسلامية التي تسعى إلى إعمار الأرض.مؤشرات اقتصادية عالمية
تناول الهاشل في كلمته وضع الاقتصاد العالمي حالياً وما يمكن أن يوفره من فرص أمام نمو صناعة المالية الإسلامية، لافتاً إلى أنه على صعيد النمو الاقتصادي، فلنا بعد انقضاء عقد من الجهد والعمل أن نقول إن الاقتصاد العالمي قطع شوطاً بعيداً، فبحسب صندوق النقد الدولي بلغ النمو الاقتصادي 3.8 في المئة عام 2017، وانخفض معدل البطالة بانتظام من 6.2 في المئة عام 2009 حتى 5.7 في المئة عام 2017 بحسب تقديرات البنك الدولي. وقال إنه على صعيد الاستقرار المالي العالمي، فقد شهدنا تطوراً ملحوظاً، إذ مازال النظام المالي العالمي مستمراً باكتساب القوة، بفضل تطبيق العديد من الإصلاحات والمبادرات الرقابية، مثل معايير "بازل 3" والإشراف المبني على المخاطر، وتعزيز جهود الإشراف على حوكمة الشركات، وتطبيق اختبارات الضغط، وإجراءات التحوط الكلي.وأوضح أنه على صعيد التطور الاجتماعي، لمسنا تحسناً ملحوظاً، فبحسب إحصاءات البنك الدولي انخفض عدد الأشخاص الذين يعيشون فقرا مدقعاً من 15 في المئة إلى 10 في المئة من عدد سكان العالم، في العقد الأخير.وأشار المحافظ أنه على الرغم من الحصاد الإيجابي للعقد الماضي، مازالت التحديات الاقتصادية والمالية والاجتماعية ماثلة في العديد من الاقتصادات مثبتة قلة مناعتها أمام المخاطر المستجدة والنمو المتباطئ وتقلبات الأسواق المالية، كما أن التحسن الأخير في الأوضاع الاقتصادية لم يتوزع بالتساوي على الدول، ومازال المستقبل الاقتصادي للعديد من تلك الدول بمثابة تحد كامن في طي السنين المقبلة.