أعود إلى مقال كتبته قبل عام تقريبا تحت عنوان "زرع أوباما فحصد ترامب" تطرقت فيه لثبات السياسة الأميركية وعلاقتها بالشرق الأوسط، وأن ما يقوم به الرئيس ترامب هو استمرار لهذه السياسة، ويتم بمباركة مجلسي الشيوخ والنواب، لذلك لا أستغرب وقاحة الرئيس ترامب في مطالبة دول الخليج بالدفع لضمان بقائها كما يدّعي. نظرية "الفوضى الخلاقة" التي صنعتها الإدارة الأميركية قد تكون من أهم وأخطر نظريات العصر الحديث التي بدأت مع الغزو الأميركي للعراق، والتي سرعان ما انتشرت وآتت ثمارها مع ما يسمى الربيع العربي، لكن بالرجوع إلى بدايات هذا المصطلح ستجدها مكتوبة في أدبيات الماسونية العالمية.
الأساليب التي تتخذها الإدارة الأميركية بالسيطرة على ثروات الشرق الأوسط تتجدد، ولن تقف عند صناعة الفوضى الخلاقة، لذلك هناك ما هو جديد دائماً لتقدمة للمنطقة بين فترة وأخرى.الإدارة الأميركية لديها أهداف أخرى معلنة، وفي مقدمتها حماية الكيان الصهيوني وتلميعه، بإبراز صورته كالحمل الوديع وتقديمه صديقاً للعرب، أما اغتصابه لأرض فلسطين فهي قضية تقادم عليها الزمن، وعلى العرب والمسلمين التعايش مع الواقع. وللوصول إلى تلك الأهداف لا بد من صناعة عدو خارجي وداخلي، الأول لضمان الدفع وترعيت شعوب المنطقة وبدوافع طائفية صرفة، والثاني لإشغال وتخويف الأنظمة، وقد تحقق جزء كبير مما سعت إليه، فتبعات الفوضى الخلاقة تسببت في أكثر من مليون قتيل وتشريد الملايين ودمار للبنى التحتية، يتجاوز كل المبالغ التي يطلبها الرئيس ترامب من الدول الخليجية.الرئيس ترامب يعد بمفاجأة سيكشف عنها بتاريخ 12 مايو، والكنيست الإسرائيلي يصادق على قانون يخول نتنياهو ووزير دفاعه ليبرمان إعلان الحرب دون الرجوع إليه؛ مما ينذر بحرب إن حدثت فستكون نتائجها كارثية على المنطقة بأسرها.على الطرف الآخر بدأت الشعوب تفهم أكثر من أي وقت مضى خطورة الانسياق وراء تلك التحركات المشبوهة، وبدأت تنظر بعين أوسع، وتعي مغبة الاستمرار في لبس العباءة الأميركية التي أصبحت ثقيلة وباهظة الثمن لمن يرغب في ارتدائها.بالأمس سحبت الكوريتان البساط من تحت أرجل الولايات المتحدة في لقاء تاريخي جمع رئيس كوريا الشمالية مع نظيره الجنوبي، ورغم حجم التصعيد والخيارات المطروحة التي كانت تنذر بحرب عالمية ثالثة فإن لغة العقل كانت لها الغلبة.اليوم مازال ترامب يهدد بإلغاء الاتفاق النووي الإيراني، ومع كل لقاء يذكّر دول الخليج بالدفع، وأن عليها أن تدفع وستدفع، فنحن دول في نظره لن تستطيع الصمود أسبوعا واحدا إن تخلت أميركا عنها، وهنا لا أدري إن كان يقصد الفوضى الخلاقة أم العدو الخارجي، لذلك علينا أن نكون واضحين في الرد عليه بأننا ارتضينا حكامنا ولن نتخلى عن تراب أوطاننا.مشكلتنا الحقيقية في بعض المرتزقة الذين أصبحوا أبواقاً تنهق وتصرح في كل شاردة وواردة، فهم لا يعون ما يقولون ولا يعرفون معنى التعايش مع الجغرافيا والتاريخ، ولا يقبلون بالتصالح الثقافي والمذهبي، ولا يقدرون قيمة العيش بسلام، لكنهم يثقون بكل ما يقوله العم سام رغم وضوحه غير القابل للبس. في الختام أترككم لتدبر قوله تعالى: "وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ". (البقرة 120).ودمتم سالمين.
مقالات - اضافات
الصراع القادم والسياسة الأميركية
04-05-2018