على ترامب تدعيم الصفقة النووية الإيرانية لا تقويضها
هرّب عملاء استخباراتيون إسرائيليون 100 ألف صفحة من الوثائق من إيران عن برنامج ذلك البلد النووي، مما سيُضطر الملالي اليوم إلى سد مصدر التسريب الأمني الكبير هذا، لكن المعلومات التي تتضمنها هذه الوثائق لا تُعتبر بالغة الأهمية بقدر ما ادّعى نتنياهو في عرض معد للتلفزيونات الأميركية يوم الاثنين، وأعلن: "أنا هنا لأخبركم بأمر واحد: كذبت إيران، كذبت كثيراً"، ولكن عمَّ كذب القادة الإيرانيون؟ كانوا يملكون برنامجاً سرياً للتطوير النووي يُدعى مشروع أحمد... وُضع جانباً في عام 2003.حقاً؟ كان برنامج إيران لتطوير الأسلحة النووية معروفاً جداً، حتى إنه شكّل المبرر وراء عقد الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، والاتحاد الأوروبي، وألمانيا، وبريطانيا، وفرنسا خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران في عام 2015، فارضةً قيوداً مكبّلة على قدرة إيران تخصيب المواد الانشطارية وإعادة معالجتها.لم يتضمن ما كشفته إسرائيل ما يتناقض مع تقييم أجهزة الاستخبارات الأميركية عن أن إيران تلتزم بشروط الصفقة النووية، ففي شهر فبراير، أفاد دان كوتس، مدير الاستخبارات الوطنية، أن "خطة العمل الشاملة المشتركة أطالت الوقت الذي تحتاج إليه إيران لإنتاج كمية كافية من المواد الانشطارية بغية تطوير سلاح نووي من بضعة أشهر إلى نحو سنة"، وأنها "حسّنت أيضاً شفافية النشاطات النووية الإيرانية". وفي الأسبوع الماضي أخبر وزير الدفاع جيمس ماتيس أيضاً الكونغرس أنه، بعد قراءته كامل نص الاتفاق النووي ثلاث مرات، فوجئ عندما أدرك أن "عملية التأكد التي ضمنها هذا الاتفاق متينة جداً".
لا شك أن هذه التقييمات الواقعية لا تبرر ادعاءات ترامب المبالغ فيها عن أن الاتفاق النووي الإيراني "أسوأ صفقة على الإطلاق". على العكس، تشكّل هذه صفقة ناجحة تعوق على ما يبدو التقدم النووي الإيراني، وهذه بالتأكيد الغاية منها، ورغم ذلك يبقى نطاق الصفقة النووية محدوداً، مما دفعني أنا ونقاد آخرون إلى حض أوباما على التمسك بفرض شروط أكثر صرامة، فلا تسمح هذه الصفقة بإجراء عملية تفتيش دقيقة لكل القواعد العسكرية الإيرانية، ولا تمنع إيران بشكل نهائي ومطلق من تطوير أسلحة نووية، فضلاً عن أن صلاحية الشروط التي تحدد سقف أجهزة الطرد المركزي ستبدأ بالانتهاء في عام 2026، كذلك لا تحظر هذه الصفقة اختبارات الصواريخ البالستية ولا تردع إيران عن زعزعة استقرار جيرانها. لكن هذه لا تشكّل حجة لتقويض خطة العمل المشتركة الشاملة، كما ينوي ترامب أن يفعل على ما يبدو بعد بضعة أيام في 12 مايو، على العكس تشكّل هذه حجة لتدعيم هذا الاتفاق، حيث قدّم ماكرون وميركل في زيارتيهما الأخيرتين إلى واشنطن لترامب طريقة لتحقيق هذا الهدف بالتفاوض بشأن اتفاق جانبي مع الأوروبيين. تستطيع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إعلان نيتهما فرض عقوبات على إيران إذا اختبرت صواريخ بالستية، وواصلت زعزعة جيرانها، وسعت إلى حد كبير إلى زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي العاملة، أو حاولت إضفاء طابع عسكري على برنامجها النووي في أي مرحلة في المستقبل. كذلك بإمكان الولايات المتحدة أن تؤكد أنها ستبقي جنوداً في شرق سورية بغية احتواء النفوذ الإيراني، علماً أن هذه خطوة يمقتها ترامب.تكمن ميزة الاتفاق الجانبي في أنه لا يتطلب موافقة إيران، وروسيا، والصين، التي تبدو مستبعدة، بالإضافة إلى ذلك، يمنح هذا الاتفاق ترامب القدرة على التفاخر بصدق بأنه زاد الضغط على إيران، ولكن للتوصل إلى اتفاق جانبي، يجب أن يكف الرئيس الأميركي عن إدانته المتواصلة للصفقة النووية، التي يكرهها على ما يبدو لأنه لم يكن هو مَن عقدها، كذلك ستُرغمه هذه الخطوة على الإقرار بأنه أخفق في إعادة كتابتها.لكن هذه الخطوة ستشكل العمل السديد والحكيم، لذلك لن يقدِم عليها على الأرجح رئيسنا المتهور، وكما ذكر ماكرون سيعمد على ما يبدو "إلى الإطاحة بهذه الصفقة بمفرده لأسباب محلية"، ويهدف أداء نتنياهو يوم الاثنين، الذي نُسّق بوضوح مع إدارة ترامب، إلى منح الرئيس الأميركي العذر الذي يحتاج إليه للعمل وفق ميوله.يواجه ترامب اليوم أزمة نووية في كوريا الشمالية، ومن الصعب أن نحدد لمَ يرغب في بدء أزمة أخرى في الشرق الأوسط.* ماكس بوتر