مسلسلات رمضان الهابطة
من رمضان إلى رمضان، تزداد قذارة المسلسلات، أهو عِناد لديننا في الشهر المقدس؟ أيلعبون «لاعب احتياط» عند تصفيد الشياطين؟... هذه كلها مبالغة بعض المتدينين المتحمسين. المسألة مرهونة بالدينار والريال والدرهم. منطقياً المسألة إنما هي تجارة لشد انتباه الخليجيين إلى المسلسلات حتى تبيع أغلى مساحة إعلان. وفي رمضان على الخصوص، أصبح من الأعراف تكديس كل «المنتجات» الفنية بجدول هذه الأيام التي يفضل الناس فيها الجلوس في المنازل بسبب رمضهم، والرمض هو العطش.في مقالتي «تشريح الفن والجمال بالتمام والكمال!» المنشورة في «الديلي صباح» بتاريخ 28/4/2018، قلت إن الفن لا قيمة له إلا إذا عبر عن المجتمع، فأي مجتمع ليس عنده معان «يعبر عنها» للغير، يكون عديم الوجود الحضاري، فالفنان واجبه رعاية هذه الأمانة. مثل مسلسل «إلى أبي وأمي مع التحية» إخراج حمدي فريد، رحمه الله، الذي طرح قضايا عامة مرفقة بالحلول، ولا يطرح قضية فاضحة تحصل في عشر سنين لأشخاص نادرين لا يمثلون إلا أنفسهم، ولهذا سميت وظيفة النجوم بـ «الممثلين»، فالمفروض أنهم يمثلوننا!
كلما أخلص المخرج في جعل الفن مرآة للمجتمع، أحببنا عمله، لم يكن حسين بن عاقول في «درب الزلق» مغتصباً لبنت الجيران ومبتزاً لأبيها لأنه نسيب مدير الشرطة، كان مجرد شاب كويتي في فترة أول النفط، يريد لقمة العيش. يسعى تارة إلى أن يكون محامياً «يبيع حكي»، على حد قوله، وتارة يسافر إلى البصرة لأجل «القيمر»، لم تكن «خالتي قماشة» شاذة جنسياً تسعى إلى الفجور مع الفتيات الصغيرات من الفئة الفقيرة، كانت الأم الكويتية العادية والشديدة جداً في تربية أبنائها لدرجة أنها ركبت كاميرات بالبيت لتتجسس على خطط زوجات أبنائها الماكرات. المسلسلات كثرت، وأصبح سعر المساحة الإعلانية لا يدر أرباحاً مجزية للمعدين لتسديد ديون مسلسلهم ورواتب العاملين عليه. والوقت قصر، والممثلون غلت أسعارهم، والعالم اقتيد إلى مبدأ هوليوود المشهور «الجنس والعنف»، وأصبح المخرج يتخذ كل هذا مبرراً لتطبيق مقولة «خالف تعرف»، لشد أكبر كمية من انتباهنا لمسلسله دقائق محسوبة في القمر الصناعي، لتنتقل إحصائية عدد المشاهدين لشركات تجارية تشتري مساحات إعلانية بآلاف الدنانير والريالات والدراهم، فكلما زاد المشاهدون الذين يشتمون أعراض الممثلين والممثلات في «تويتر» ارتفع سعر الإعلان، ومن يدفع سعر ذلك هو كل تاجر باع مجتمعه، وسبب نجاح المسلسلات نحن الخليجيون أنفسنا، فهل سنطبق مقولة «أميتوا الباطل بهجره»؟!