ملهاة اليوم
"التاريخ لا يعيد نفسه، إلا أنه يحدث مرة كمأساة والثانية كملهاة"، عبارة ماركس، الذي صادف أمس ذكرى مرور مئتي عام على ميلاده، تصدق اليوم على واقعنا بمثل ما صدقت تاريخياً في ذكرى استيلاء نابليون الأول على حكم فرنسا بعد الثورة الفرنسية، وكانت تلك المأساة، ثم عاد التاريخ نفسه كملهاة حين وصل نابليون الثالث إلى حكم فرنسا.في المقابل، مأساة واقعنا كانت ترويج إدارة الرئيس بوش الابن مقولة أن عراق صدام يملك أسلحة الدمار الشامل، ثم حدث غزو العراق عام 2003، لنعرف بعدها كذبة أسلحة الدمار الشامل، وتكاد الحكاية ذاتها تكرر مع إيران اليوم، والتخطيط للتخلص من الاتفاق النووي من جانب إدارة ترامب حسب رغبة وإلحاح حكومة نتنياهو، واستعراض الأخير أدلة تزعم بأن إيران مازالت تعمل وتحتفظ بصورة سرية من مقومات صنع أسلحة نووية.ويستشهد الكاتب سعيد كمالي ديغان في عدد جريدة الغارديان الإنكليزية الصادر في 3 مايو بعبارة الدكتور ستيفان وولت، أستاذ العلاقات الدولية بـ "هارفارد"، أن ترويج حكاية امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل من إدارة بوش الابن كان أكثر إقناعاً مما تروجه اليوم إدارة ترامب لنقض الاتفاق النووي مع إيران!
ويستطرد الكاتب بذكر تاريخ قضية "النووي الإيراني" مع الولايات المتحدة، وأنه كلما لاحت هناك فرصة للانفراج النسبي في إيران، سرعان ما تتهاوى عندما تظهر الولايات المتحدة تشددها ورفضها قراءة أي تغيرات للسياسة الإيرانية، والنتيجة ردة فعل إيرانية متشددة تظهر نفسها في الانتخابات، فلم يكن لوصول الرئيس محمد خاتمي المعتدل لرئاسة الجمهورية ردة فعل مناسبة من إدارة بوش الابن، فإيران كانت أحد محاور الشر عند الأخير، والنتيجة أنه وصل إلى الحكم بعد ذلك أحمدي نجاد المتشدد، الذي أنكر "الهولوكوست"، مثل سياسة ترامب نحو إيران التي تبدو غير مفهومة مع مشروع التفاهم الكوري، رغم امتلاك كوريا الشمالية السلاح والصواريخ النووية، ستجلب تياراً إيرانياً متشدداً، ولا نعرف عندها أين سيقود المنطقة.ويناقش الكاتب سياسة إيران التي كانت تظهر نفسها على أنها مع المظلومين، إلا أنها وقفت مع ظالم مثل الأسد بتدخلها في سورية، غير أن الباحث فالي ناصر في "فورن أفيرز" يرى أن التدخل الإيراني في سورية أملته سياسة "الدفاع الاستباقي" لإيران، بعد أن شهدت هذه الدولة تغيّر الخريطة العربية بعد احتلال العراق، وتهاوي دول المنطقة العربية، وما قد تجر إليه الأمور بعد ذلك، وهي حجة يصعب قبولها بكل الأحوال، فهناك من يرى أن الجمهورية الإيرانية تتصرف كدولة بتطلعات استراتيجية وليست كثورة.أين ستصل الأمور في المنطقة؟ فطبول الحرب تضرب الآن بقوة، وكيف ستتصرف دول المنطقة الخليجية حين تجد نفسها في وسط المعمعة المدمرة؟دولنا تتسابق لصفقات سلاح كبرى مع الولايات المتحدة ودول أوروبا لجلب بركات الحماية واسترضاء دولها، صفقات سلاح فلكية تلتهم معظم الزيادة في دخول هذه الدول، بعد زيادة أسعار النفط الأخيرة، المستفيد في كل الأحوال هي الولايات المتحدة مع فرنسا والمملكة المتحدة. إدارة ترامب تضغط على دول المنطقة لمزيد من صفقات السلاح حتى آخر دولار في ميزانية دولنا مقابل حماية مزعومة، رغم أنها هي التي خلقت هذا الرعب تاريخياً في المنطقة. هل لدينا من يقرأ التاريخ وكيف يعيد نفسه أحياناً كملهاة؟ وهل هناك ملهاة أكثر مما يحدث اليوم؟