رياح وأوتاد: «إنتوا وين... والمجتمع المدني وين؟»
نحن منقسمون وبعيدون عن المجتمع المدني الذي يتساوى فيه الجميع أمام القانون وفي تكافؤ الفرص، ويتسابق أفراده لتحقيق الأفضل للبلاد، وحيث تكون النظرة فيه إلى القوانين وأداء الوزراء حسب المصلحة العامة لا حسب المصلحة الانتخابية أو الرابطة الفئوية المدمرة التي ستؤدي بالبلاد إلى المزيد من الانقسامات.
جلسة الاستجوابات ليست مسرحية هزلية لكنها كانت بالفعل تجسيداً للاصطفاف والانقسام الخطير الذي يعانيه المجتمع الكويتي. أمراض خطيرة طائفية وقبلية وعائلية، وانحياز للعم والخالة، وتمييز ضد الآخر، وتحريض مكشوف على الوافدين، كلها ظهرت في جلسة الاستجوابات بألسنة النواب أنفسهم وباعترافهم وتصويتهم، وباتت المصلحة العليا للوطن مجرد كلام كسراب بقيعة يحسبه الناخب مفيداً للوطن، فإذا به ينقلب إلى تروس تطحن الوطن وتجزئه إلى ولاءات صغيرة. يجتمعون في القوانين الشعبوية التي تجلب لهم الأصوات، ولو كانت تضر الوطن، لكنهم ينقسمون إذا طرحت القوانين وقضايا الرقابة والمحاسبة التي تمس عصبياتهم الفئوية.
دعونا نعترف أن ما جرى في جلسة الاستجوابات هو مجرد صورة مصغرة لما آل إليه المجتمع الكويتي للأسف. بالطبع النواب مسوؤلون عما وصلنا إليه، ولكنهم ليسوا وحدهم يا سادة، فالحكومة مسؤولة عندما تركت فيروسات التعصب تسري في عروق الوطن حتى أقيمت الفرعيات أمام أعينها وهي لا تحرك ساكناً، واستجابت للوساطات والمحسوبيات التي يمارسها قادة وممثلو هذه الفئات، خصوصا الوزراء والنواب والمسوؤلين منهم الذين جيروا المناصب لمصلحة أقربائهم وفئاتهم دون غيرهم من أبناء الوطن؛ لكي تقوى وتتعزز الرابطة العصبية، وأيضاً تركت الحكومة مال الكبار يفسد ذمم الناخبين، وأدارت وجهها عنه، ولم تأخذ على أيدي المغردين الفاسدين الذين ملؤوا البلاد بالإشاعات والأكاذيب وكراهية الآخر وزرع الفتن وشق الوحدة الوطنية. وبعض الجماعات السياسية أيضاً قصرت في الدفاع عن وحدة الوطن، وساهمت في هذه الانقسامات، فشحنت فرانكستاين الطائفية لكسب الأصوات، وعممت كل خطأ أو شذوذ على جميع أبناء الطرف الآخر لكي تظهر نفسها وكأنها المنقذ للبلاد منه، بل منهم من شارك في انتخابات عرقية قوامها رابطة الدم وحدها ليحقق الفوز على الآخر. حتى قادة الفكر والرأي وجمعيات النفع العام والإعلام الأهلي تقاعسوا، فلم يتصدوا لفضح الممارسات العصبية والفئوية ناهيك عن المشاركة فيها وترويجها. أما الجماعات الإسلامية فمنهم من جرى وراء القوانين الشعبوية المدمرة لكي لا يخسر مقاعد البرلمان فعمق الانقسام، ومنهم من ركب موجة الفئوية أو أيدها أو سكت عنها ليبدو منسجماً مع محيطه وعصبيته، ولم يبر بقسمه بأن يؤدي أعماله بالأمانة والصدق، كما أن منهم من لم يحمل أمانة الدعوة التنويرية إلى التعايش السلمي وفق أحكام الشريعة السمحة، ومنهم أيضاً من أعاقتهم خلافاتهم حتى خسروا وفُقد دورهم، ولم يشهد المجلس ولادة أي تشريع إصلاحي أو إسلامي حتى الآن. باختصار ما نحن فيه ليس تعددية محمودة بل هو تشرذم وانقسام. نعم نحن منقسمون وبعيدون عن المجتمع المدني الذي يتساوى فيه الجميع أمام القانون وفي تكافؤ الفرص، ويتسابق أفراده لتحقيق الأفضل للبلاد، وحيث تكون النظرة فيه إلى القوانين وأداء الوزراء حسب المصلحة العامة لا حسب المصلحة الانتخابية أو الرابطة الفئوية المدمرة التي ستؤدي بالبلاد إلى المزيد من الانقسامات، والله يستر.