ترامب يقترف خطأ جيوسياسياً جسيماً بتقويضه الصفقة الإيرانية
في الشرق الأوسط المليء بالصراعات، تشكّل الصفقة النووية الإيرانية مصدر استقرار نادراً، إذ يمنع هذا الاتفاق، الذي نجم عن مفاوضات ضمت الولايات المتحدة وقوى عالمية كبرى أخرى، إيران من إنتاج أسلحة نووية، منظّماً في الوقت عينه نظام التفتيش الأكثر شمولية الذي أسفرت عنه مفاوضات في العالم.مع هذه الصفقة، التي تُعرف بخطة العمل الشاملة المشتركة، تخلت إيران فعلاً عن سيطرتها المستقلة على مصادرها النووية الخاصة لمدة 10 إلى 25 سنة، وبعد هذه المرحلة وافقت إيران على القبول بإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية لفترة غير محددة، كذلك حوّل هذا الاتفاق التزام إيران بأنها "لن تسعى في ظل أي ظروف وراء الأسلحة النووية أو تحاول تطويرها أو الحصول عليها" إلى قانون دولي.تمحورت معارضة ترامب الرئيسة لهذه الصفقة حول برنامج طهران للصواريخ البالستية والنشاطات الإيرانية المقلقة في المنطقة، وخصوصاً دعمها حزب الله ومساهمتها في الحؤول دون انهيار نظام الأسد، لكن الرئيس الأميركي يتجاهل على ما يبدو واقع أن هذه مسائل ما كان يُفترض بالاتفاق النووي أن يغطيها.
علاوة على ذلك يعتقد شركاؤنا في الاتفاق، من بينهم المملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، بالاستناد إلى خبرتهم الطويلة في التفاوض مع إيران أن الطلب من طهران التخلي عن كل هذه المسائل كان سيحول دون التوصل إلى أي اتفاق. ويشيرون إلى واقع أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية استخلصت في 10 مرات متتالية أن إيران تلتزم بالصفقة بالكامل، كذلك يظنون أن من الأفضل مواجهة دولة إيرانية لا تملك أسلحة نووية بدل دولة إيرانية تُعتبر قوة نووية أولية. يقف ترامب وحيداً بالكامل في تنديده بالاتفاق، واصفاً إياه بـ"أسوأ صفقة على الإطلاق"، ولا يقتصر مَن يخالفونه الرأي على حلفاء الولايات المتحدة الأقرب وخصومها الأقوى، ويؤكد أعضاء من فريقه الخاص للأمن القومي أن التخلي عن هذا الاتفاق يسيء إلى مصالح الولايات المتحدة.في شهر أكتوبر الماضي رفض ترامب التصديق للكونغرس على أن هذه الصفقة تخدم مصالح الولايات المتحدة، وطلب من أعضاء الكونغرس تحسينها، إلا أنهم لم يقدِموا على أي خطوة. في شهر يناير رفض ترامب مرة أخرى التصديق وهدد بالانسحاب من الاتفاق ما لم يعمل حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيون على تحسين شروط هذا الاتفاق، وتحل نهاية المهلة التالية للتصديق، بما يشمله من مواصلة رفع العقوبات، في الثاني عشر من مايو.يُعتبر الشرق الأوسط المنطقة الأكثر اضطراباً في العالم اليوم، إذ تتواصل الحرب الأهلية السورية ولا تبدو نهايتها قريبة، وأدت الحرب في اليمن إلى أسوأ كارثة إنسانية في العالم، أما مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي أنشأته المملكة العربية السعودية وشركاؤها من ممالك النفط في عام 1981 ليكون حصناً منيعاً في وجه إيران والعراق، فيُمزَّق بسبب مقاطعة إحدى الدول الأعضاء فيه وهي قطر، مع أن كبرى قواعد الولايات المتحدة العسكرية في المنطقة تقع فيها، ولم نأتِ بعد على ذكر الأوضاع السياسية المتردية في العراق، ولبنان، ومصر، وليبيا.على هذه الخلفية الخطيرة يحوّل ترامب اتفاقاً فاعلاً للحد من انتشار الأسلحة إلى أزمة لا داعي لها، وفي المقابل تقوم المقاربة الأكثر تعقلاً على تعزيز التأثير الإيجابي الذي حققته هذه الصفقة بالسعي لعقد محادثات مع طهران بشأن مصادر القلق الأخرى.ولكن إذا قوّضت الولايات المتحدة هذه الصفقة فستزعزع ثقة حلفائها الأكثر أهمية، كذلك ستثير هذه الخطوة الكثير من التساؤلات حول مصداقية الولايات المتحدة ومدى التزامها باتفاقاتها، مما يبدد بالتالي أي احتمال لعقد مفاوضات مع كوريا الشمالية، إذاً تُشكّل هذه أزمة اختيارية، أزمةً لا نحتاج إليها بالتأكيد.* سوزان ديماجيو وغاري سيك* «ديلي نيوز»