غيّب الموت أمس خالد محيي الدين الزعيم التاريخي لقوى اليسار المصري، وآخر من تبقى من أعضاء تنظيم "الضباط الأحرار"، الذي خلع الملك فاروق وأعلن الجمهورية في ثورة 23 يوليو سنة 1952، والتي كان هو عضواً في مجلس قيادتها، قبل أن ينشق بعد عامين فقط؛ مطالباً بعودة الجيش إلى ثكناته للسماح ببناء حياة ديمقراطية.

وعلى عكس حياته الصاخبة والمليئة بالمعارك السياسية، التي ذاق فيها المنفى بعد صدامه مع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في عام 1954، وتعرض لحملات تشويه قاسية بسبب معارضته لسياسات الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك، فإن محيي الدين حظي بتقدير واسع في سنواته الأخيرة التي اعتزل فيها العمل السياسي، بسبب كبر سنه وتدهور حالته الصحية، والذي ظهر واضحاً في إجماع مختلف القوى على نعيه والإشادة به عقب رحيله عن 96 عاما.

Ad

وأصدرت رئاسة الجمهورية بيانا قالت فيه: "إن مصر ستبقى ممتنة لإسهامات الفقيد الوطنية وسيرته الخالدة، والتي ستظل محفورة في تاريخ الوطن بحروف من نور لتحتفظ بمكانتها في ذاكرة العمل السياسي المصري بكل تقدير واحترام".

ولد خالد محيي الدين سنة 1922 لعائلة ثرية لها أملاك واسعة في قرية كفر شكر بمحافظة القليوبية، لكنه على عكس المتوقع من أبناء طبقته تعاطف مع الأفكار الاشتراكية مع احتفاظه بنزعة صوفية بسبب تنشئته الدينية، وتحول هذا التعاطف إلى انتماء كامل للتيار الشيوعي بينما كان ما زال طالباً في الكلية الحربية، وانخرط سرا بعد تخرجه في تنظيم "الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني"، وهي أكبر الحركات اليسارية وقتها، وفي الوقت نفسه جنده صديقه وزميل دفعته جمال عبدالناصر في حركة الضباط الأحرار.

ولم يكن الأخير يمانع في انتماء أعضاء تنظيمه إلى "حدتو" أو "الإخوان المسلمين" أو حركة "مصر الفتاة". وكان عبدالناصر يطلق على خالد لقب "الصاغ الأحمر" الذي اشتهر به لفترة طويلة، حيث كانت رتبته في الجيش "صاغ"، التي تعني حالياً "رائد".

ولم يظهر التناقض بين هذه الانتماءات إلا في أزمة مارس سنة 54 حين أصر عبدالناصر على رفض عودة الأحزاب التي أطيح بها مع النظام السابق كله، بينما انحاز خالد محيي الدين إلى مطلب استعادة الديمقراطية.

وتكشف مذكرات محيي الدين التي أصدرها قبل سنوات بعنوان "والآن أتكلم" مرارة شديدة لديه من نفيه إلى سويسراً عقب هزيمة الجناح الديمقراطي بين ضباط يوليو بقيادته، لكنه سرعان ما استعاد نشاطه عقب عودته، فصار نائباً مرموقاً ورئيساً لتحرير عدة مطبوعات، ثم مؤسساً لـ "حزب التجمع" في السبعينيات، وقائداً للمعارضة حتى انزوائه عن الحياة السياسية في عام 2005، باستثناء بعض الرسائل التي كانت في المناسبات باسمه.