يتجه حزب الله إلى تكريس نفوذه في المعادلة السياسية في لبنان، بعد ظهور نتائج غير نهائية للانتخابات النيابية الأولى في البلاد منذ نحو عقد، أثبتت فوز كل لوائحه تقريباً، وتراجعاً في عدد مقاعد كتلة رئيس الحكومة سعد الحريري.

وشارك نحو نصف الناخبين اللبنانيين الأحد في عملية الاقتراع لاختيار 128 نائباً، مع معدل اقتراع (49.2 في المئة) لم يلب تطلعات معظم الأحزاب التي توقعت أن ينعكس إقرار قانون يعتمد النظام النسبي تهافتاً على صناديق الاقتراع.

Ad

ويقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اليسوعية كريم مفتي لوكالة فرانس برس «حزب الله في طريقه لأن يكون مؤثراً في عملية صنع القرار، ولكن ذلك سيعتمد أيضاً على التحالفات التي سينسجها أو يجددها».

ويتوقع أن تعلن وزارة الداخلية النتائج الرسمية في وقت لاحق الاثنين.

وبعد ساعات على إقفال صناديق الاقتراع الأحد، بدأت الماكينات الانتخابية التابعة للوائح بإصدار نتائجها التي أظهرت في مرحلة أولى احتفاظ الثنائي الشيعي الذي يضم حزب الله مع حركة أمل برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري، بالعدد نفسه تقريباً من المقاعد في البرلمان.

ولا توجد بعد أعداد نهائية لعدد المقاعد التي فاز بها حلفاء لحزب الله من طوائف أخرى، والتي قد تؤدي إلى زيادة حجم كتلته.

واستناداً إلى التوقعات ذاتها، يتجه كل من تيار المستقبل الذي يتزعمه رئيس الحكومة سعد الحريري والتيار الوطني الحر الذي ينتمي إليه الرئيس اللبناني ميشال عون إلى خسارة مقاعد من حصتيهما الكبيرتين جداً في البرلمان المنتهية ولايته، وامتنع الطرفان بخلاف الكتل الأخرى عن إعلان نتائج مفصلة.

وتصنف واشنطن حزب الله الذي يمتلك ترسانة كبيرة من السلاح ويقاتل اسرائيل، على قائمة المنظمات الإرهابية، كما تتهم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان خمسة أعضاء من الحزب باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في العام 2005.

ولطالما شكل سلاح الحزب الذي يحارب الى جانب قوات النظام في سوريا، مادة خلافية بين الفرقاء اللبنانيين، لكن الجدل حول سلاحه تراجع إلى حد كبير قبل الانتخابات بفعل «التوافق السياسي» القائم حالياً.

وأوردت صحيفة «الأخبار» القريبة من حزب الله في مقالة افتتاحية بعنوان «الرابحون والخاسرون» الاثنين أن حزب الله وحركة أمل أظهرا «قدرة فائقة على تنظيم الصفوف بما يمنع تعرضهما لأي انتكاسة»، فيما «تلقى الحريري وتيار المستقبل الذي يرأسه الصفعة الأكبر في تاريخه».

واعتبرت أن «خسارة الحريري» هي «العلامة الفارقة في هذه الانتخابات».

ويتوقع أن يخسر الحريري بعض المقاعد خصوصاً في معقليه في بيروت والشمال، لكن ذلك، وفق مفتي، «لن يهدد إعادة تكليفه رئيساً للحكومة».

ويرى محللون أن البرلمان اللبناني قد يشهد في المرحلة المقبلة ظهور توازنات أو تحالفات جديدة.

وتأتي هذه الانتخابات وهي الأولى منذ العام 2009 استكمالاً لتسوية سياسية أتت بعون، حليف حزب الله، رئيساً للبلاد في أكتوبر 2016، وبالحريري رئيساً للحكومة، بعد نحو سنتين من الفراغ الدستوري وشلل المؤسسات الرسمية.

ويحاول عون، منذ وصوله إلى سدة الرئاسة، تقديم نفسه على أنه على مسافة متساوية من كل الأفرقاء.

وتدل النتائج الأولية على أن حجم كتلة عون ستتراجع لصالح تقدم حزب القوات اللبنانية الذي يتزعمه سمير جعجع، وكان الطرفان على طرفي نقيض منذ سنوات طويلة، لكن حصل تقارب بينهما ساهم في الاتيان بعون رئيساً، إلا أن هذا التقارب لم يترجم في الانتخابات النيابية التي تنافسا فيها في كل المناطق.

ودفع قانون الانتخاب الجديد غالبية القوى السياسية إلى نسج تحالفات خاصة بكل دائرة انتخابية حتى بين الخصوم بهدف تحقيق مكاسب أكبر.

وفي معظم الأحيان، لم تجمع بين أعضاء اللائحة الواحدة برامج مشتركة أو رؤية سياسية واحدة، إنما مصالح آنية انتخابية، وهو ما قد يكون قد انعكس على ثقة الناخبين باللوائح.

وشكلت اللوائح المشتركة بين حزب الله وحركة أمل الثابتة الوحيدة في التحالفات، بما يكرس إلى حد بعيد احتكارهما للتمثيل الشيعي.

وسارع مناصرو الكتل الفائزة ليلاً إلى الاحتفال وتسيير مواكب سيارة في الشوارع ترفع الرايات الحزبية وصور المرشحين، كما تكررت ظاهرة إطلاق الرصاص ابتهاجاً في عدد من المناطق اللبنانية، خصوصاً في شمال لبنان.

وتعبر فئات واسعة من اللبنانيين عن خيبة أمل من تكرار الوجوه ذاتها وخوض القوى التقليدية نفسها المعركة، علماً أنها لم تنجح على مدى عقود في تقديم حلول للانقسامات السياسية والمشاكل الاقتصادية والمعيشية التي يعانيها لبنان.

لكن الانتخابات الأخيرة شهدت بروز تيار عريض من المجتمع المدني شارك في الانتخابات في مناطق عدة، ونجح في إيصال مرشحتين إلى البرلمان هما الإعلاميتان بولا يعقوبيان وجومانا حداد، بحسب ما أعلنت ماكينة لوائح «كلنا وطني» التي تنتميان إليها، وتعتبر هذه النتيجة، ولو المحدودة، إنجازاً.