لا أروّج لسياسة مواجهة أكثر تشدداً تجاه إيران عبثاً، ولا أملك أي عداوة مع الشعب الإيراني وأرغب حقاً في إقامة علاقات سلمية بين بلدينا.قبل بضع سنوات كنا على وشك أن نُضطر إلى التعامل مع ضربة عسكرية إسرائيلية لمنشآت إيران النووية، وأخشى أن هذه الضربة كانت ستتخطى قوى إسرائيل الاستثنائية، وأنها كانت ستقود إلى حرب كنا سنُرغم نحن على إنهائها. من حسن الحظ أن خطة العمل الشاملة المشتركة بددت هذا الخطر في الوقت الراهن على الأقل، لكن الولايات المتحدة لم تتخذ أي خطوة بشأن تدخل إيران في سورية، والعراق، واليمن، فضلاً عن أن احتمال بلوغ هذه الحرب نهاية جيدة في المستقبل القريب يبدو مستبعداً.
تشكّل الأزمة السعودية-الإماراتية-القطرية، واستقالة الحريري الغريبة ورجوعه عنها، وتدخلات تركيا غير المشروعة في العراق وسورية أمثلة إضافية على خطوات سيئة اتخذها حلفاء الولايات المتحدة بغية مواجهة مشاكل بدت لهم أكثر خطورة لأن الولايات المتحدة لم تؤدِّ دورها التقليدي وتقود الجهود لمعالجة المخاطر الكامنة، وفي هذه الحالات كلها أدت إيران دوراً مباشراً أو غير مباشر في تعزيز مخاوف حلفائنا، فهي تسعى إلى اختطاف الشرق الأوسط وتغييره. يتبدّل الشرق الأوسط، شئنا أو أبينا، فقد بدأت الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي حكمت دول المنطقة ذات الغالبية المسلمة في أواخر القرن العشرين تنهار حرفياً أحياناً، ولم تشكّل انتفاضات الربيع العربي عام 2011 سوى التجلي الأكثر وضوحاً للاستياء العارم تجاه النظام القديم والمطالبة بنظام مختلف في شتى أرجاء هذه المنطقة. أعتقد أن مصالح الولايات المتحدة ستتأثر بشكل عميق وواسع بطبيعة هذه التغييرات. يبدّل الشرق الأوسط نفسه، إلا أننا لا نرى بوضوح إلامَ يتحولن، ولا تزال المنطقة في مرحلة باكرة من هذه العملية، ويشير سقوط الحكومات في تونس، ومصر، وليبيا، وسورية، واليمن، والعراق (عام 2014) إلى أن الميل السائد ما زال إنهاء النظام القديم، وأننا لم نبلغ بعد مرحلة بروز النظام الجديد، لذلك يبدو مستقبل الشرق الأوسط اليوم مفتوحاً على احتمالات كثيرة، ويُعتبر بعض هذه الاحتمالات جيداً للولايات المتحدة، وخصوصاً تلك التي تحمل المزيد من السلام والازدهار للمنطقة، لكن عدداً كبيراً منها مضر جداً بالولايات المتحدة، ولا سيما السيناريوهات التي يزداد فيها الشرق الأوسط عنفاً واضطراباً، مما يهدد صادرات المنطقة النفطية (التي ستبقى بالغة الأهمية على الأرجح خلال العشر إلى العشرين سنة المقبلة مهما أنتجنا من نفط صخري)، ويولّد المزيد من الإرهابيين واللاجئين، وينعكس سلباً بطرق أخرى على حلفاء الولايات المتحدة وشركائها التجاريين في أوروبا، وآسيا، وإفريقيا.تشمل المخاطر الكبرى التي تشكلها إيران سعيها بنشاط لدفع تبدّل الشرق الأوسط باتجاهات تلائم مصالحها، علماً أن غالبية هذه المصالح لا تناسب الولايات المتحدة أو شعوب الشرق الأوسط، ويفضّل النظام الإيراني في الداخل والخارج الاستبداد، والسياسات الاقتصادية المتخلفة، والأنظمة الاجتماعية الرجعية، كذلك تدعم إيران كل مَن يعرب عن استعداده لاستخدام العنف بغية تخريب الوضع القائم أو محاربة الولايات المتحدة وحلفائها، فترى إيران الفرص في الفوضى وتعمل على إضعاف الدول العربية كي تتمكن من السيطرة عليها، وكلما سمحنا لطهران بصوغ تحوّل الشرق الأوسط خلال الجيل المقبل، ازداد احتمال أن يخرج الشرق الأوسط أكثر فقراً واضطراباً مما هو عليه اليوم. على النطاق الأوسع يُعتبر هذا الخطر الأكبر الذي تشكّله إيران على المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، والسبب الذي يدفعني إلى الاعتقاد أن على الولايات المتحدة التصدي لدولة إيرانية برهنت مراراً أنها ترفض أي تسوية أو تعاون وأنها لا تسعى إلا إلى الصراع، دولة إيرانية تعمل بكد لدفع منطقة الشرق الأوسط المتحولة نحو المزيد من التفكك والقتال كي تكون أقل تهديداً وأكثر خضوعاً لطهران، ومهما كان شكل النتائج الأكثر احتمالاً في الشرق الأوسط، فمن الصعب أن نتخيل أنها قد تكون أسوأ بالنسبة إلى الولايات المتحدة مما قد تحوكه إيران، إذا سمحنا لها بذلك.* كينيث بولاك* «ناشيونال ريفيو»
مقالات
لماذا على أميركا أن تتصدى لإيران؟
08-05-2018