المدرسة "المباركية" أول مدرسة نظامية في الكويت، افتتحت عام 1912، لتشكل الانطلاقة الحقيقية للتعليم في الكويت. ولقد كُتب حول فكرة ونشأة المدرسة المباركية الكثير. لكن أن ينبري "مركز البحوث والدراسات الكويتية" بإصدار كتاب كمرجع جديد عن المدرسة، فهذا أمر يستحق الوقوف عنده.الكتاب الجديد الصادر أخيراً من إعداد د. عبدالله يوسف الغنيم، بطباعة فاخرة، وقطع ورق كبير، بعدد 652 صفحة. عنوان الكتاب وعتبة دخوله الأساسية، يقدمان معلومتين مهمتين للقارئ؛ الأولى هي أن الكتاب أرشيف، والثانية أن المدرسة المباركية التي يعرفها أهل الكويت ودارسي التاريخ كانت مشروعاً خيرياً. وكلا المعلومتين مهمتان ووجيهتان للكتاب والقارئ.
سبق أن كتبت في مرات سابقة أن "مركز البحوث والدراسات الكويتية" صار بقيادة د. عبدالله الغنيم، وبجهده المخلص والحثيث بنكاً للمعلومات الكويتية. وأن هذا البنك استحوذ خلال العقدين الماضيين على كنوز من المعارف الخاصة بتفاصيل حياة المجتمع الكويتي لمئات السنين؛ اجتماعياً، واقتصادياً، وسياسياً، وفكرياً، وأن أغلب هذه الكنوز جاء من أرشيف الأسر الكويتية الكريمة، ومن المكتبات الأسرية الكويتية المهمة التي أُهديت للمركز.الكتاب يعتمد في جله على ما جاء في وثائق أسرة الخالد: "لقد تكرمت أسرة الخالد بإهداء أكثر من خمسين ألف وثيقة إلى مركز البحوث والدراسات الكويتية، بعضها كان بحالة جيدة، وبعضها الآخر كان يحتاج إلى ترميم." (ص 9).ويشير الكتاب إلى أن "فيض الوثائق التي حفظتها أسرة الخالد الكريمة قدّم مادة جديدة ومعلومات تُنشر لأول مرة، وتكشف عن اهتمام الشيخ مبارك الصباح بالمدرسة المذكورة ومساندته لها، وهو الأمر الذي أغفله مؤرخو تلك الحقبة التاريخية، وكذلك عن الدور الذي لعبه عدد من رجالات الكويت وأعيانها، يحوطهم عالم جليل من آل الصباح، هو الشيخ ناصر المبارك الصباح، الذي قاد الدعوة إلى التبرع للمدرسة، وتابع بناءها، واستقدام المدرسين المميزين إليها.وكانت رواتب المعلمين ومصروفات المدرسة طوال السنوات الثلاث التي عاشها، قبل أن ينتقل إلى رحمة الله، جميعها تُقدم في صورة أذون صرف موقّعة من الشيخ ناصر المبارك بصفته رئيس المدرسة، ويوقّع معه لجنة من أعيان البلاد، وتُصرف تلك الأذون باسم مدير المدرسة عن طريق آل الخالد الحافظين لأموال المدرسة واستثماراتها من دون مقابل.وقد استمر إشراف أسرة الخالد على المدرسة المباركية نحو خمسة وعشرين عاماً، فلما أنشئت دائرة المعارف عام 1936، آل إليها الإشراف عليها، ورأى آل الخالد مع مجموعة من التجار والأعيان أن يكون العمل في تلك الدائرة مستقراً من الناحية المادية، فتقدموا بطلب إلى الشيخ أحمد الجابر الصباح، يطالبون فيه فرض ضريبة خاصة تقتطع من واردات الجمارك للإنفاق من حصيلتها على التعليم، وتُقدر بنصف في المئة، فوافق على ذلك. (ص 11).الكتاب يبرز بشكل جليّ دور المبادرة الشعبية في قيادة مشاعل الحركة التنويرية في الكويت. بدءا بفكرة المدرسة التي جاءت بخطبة للسيد ياسين الطبطبائي، والتقاط الشيخ يوسف بن عيسى القناعي للفكرة، ونقلها للشيخ ناصر المبارك الصباح أحد أهم القامات الثقافية في ذلك العصر. وكيف أن الفكرة لاقت قبولاً واهتماماً كبيرين من تجار الكويت، حيث جاء التبرع السخي والأكبر من الشيخ جاسم بن محمد الإبراهيم بـ 30 ألف روبية، والشيخ عبدالرحمن الإبراهيم 20 ألف روبية، وتبرع آل خالد ببيت واسع للمدرسة في وسط المدينة، إضافة إلى أحد البيوت الوقف للسيدة سبيكة الخالد.وأهم من شارك في التبرع: بفاتحة التبرعات للشيخ يوسف بن عيسى القناعي 50 روبية، إضافة إلى أبناء خالد الخضير 5000 روبية، وشملان بن علي بن سيف 5000 روبية، وهلال بن فجحان المطيري 5000 روبية، وإبراهيم بن مضف 5000 روبية. ويبدو لافتاً إصرار آل خالد على دعم مسيرة المدرسة واستمراها بتأدية دورها التنويري، فحين كسدت تجارة اللؤلؤ وتعرضت الكويت لأزمة مالية عاصفة، تفضّل آل خالد بتقديم إعانة سنوية للمدرسة مقدارها 1500 روبية، وعلى امتداد السنوات 1924، 1925، 1926.ويقدم الكتاب صوراً ثبتاً من أرشيف آل الخالد، بمصروفات المدرسة المباركية، بدءا من العام الدراسي الأول بتاريخ 21 ديسمبر 1911، وحتى عام 1936، كما يقدم كشفاً بأسماء المدرسين الذين عملوا في المدرسة، وكذلك التلاميذ.وأخيراً فإن المدرسة المباركية الخيرية كانت بمنزلة واحدة من أهم الإنجازات الحضارية في تاريخ الكويت، ولم تكتفِ بدورها كمدرسة نظامية للتعليم، بل شهدت أول اجتماع لإنشاء شركة الخطوط الجوية الكويتية، وكانت تقام فيها الحفلات الدينية، وبما يرتفع بها لتكون تاريخاً ناصعاً لحراك وحركة المجتمع الكويتي في واحدة من أهم فتراته التاريخية.
توابل - ثقافات
أرشيف المدرسة الخيرية المباركية في وثائق أسرة الخالد
09-05-2018