أخبار زائفة يسمعها الروس في الوطن
إذا كانت روسيا تتوقع أو تخطط لصراع ما مع أوروبا، سواء كان دبلوماسياً، أو اقتصادياً، أو سياسياً، أو حتى عسكرياً، فهذه بالتحديد الاستراتيجية التي يلجأ إليها القادة الروس: تصوير جيران روسيا كمجموعة منحلة وخطيرة وعدائية وضعيفة في آن واحد.
شغلتنا أخيراً استراتيجية ومناورات التضليل التي تتبعها الحكومة الروسية في الغرب؛ لأنها تمسنا، وتشمل الرئيس الأميركي، وتولّد الكثير من عناوين الأخبار، ولكن بما أن دعاية الحكومة الروسية في روسيا بعيدة عنا كثيراً وبما أنها تحدث بلغة مختلفة، لم نكترث لها كثيراً، لكنها ستهمنا في نهاية المطاف، ربما في وقت أقرب مما نظن.لم يحدث تحوّل وسائل الإعلام الروسية بين ليلة وضحاها، ففي عام 2010 كانت شبكة الإنترنت في روسيا تضج بالنشاط نسبياً، فقد اعتاد مَن يملكون أنواعاً مختلفة من الأفكار التناقش لتسوية خلافاتهم، أحياناً على الأقل، كذلك تمتعت وسائل الإعلام المستقلة ببعض التأثير، وكانت الأصوات المستقلة مسموعة، رُويت قصص سيئة عدة عن العالم الغربي، إلا أن بعض القصص الأخرى كان إيجابياً، ولكن بعد ثماني سنوات، عقب عودة بوتين إلى سدة الرئاسة والتبدل الحاد في سياسة المعلومات التي تتبعها الحكومة، انقلب الوضع. أسفر مسح أخير لثلاث قنوات تلفزيونية روسية عن تحليل حالك لما يسمعه الروس عن أوروبا، فتفحص الباحثون نشرات الأخبار والبرامج الحوارية السياسية بين صيف عام 2014 وشهر ديسمبر عام 2017، فاكتشفوا أن الأخبار السلبية عن أوروبا عُرضت على القنوات الثلاث بمعدل 18 مرة يومياً، أما نسبة الأخبار السلبية إلى الأخبار الإيجابية عن الدول الأوروبية، فبلغت 85% إلى 15%، علماً أن التفاوت جاء أكبر في حالة بلدان محددة، على سبيل المثال صُورت فرنسا (ربما لأن انتخاباتها الرئاسية الأخيرة ضمت مارين لوبان، مرشحة بدا جلياً أنها تميل إلى روسيا وخسرت أمام رئيس يتحلى بميول أوروبية) غالباً بطريقة سلبية.يندرج الجزء الأكبر من هذه القصص، التي امتدت من تطورات إخبارية كبيرة إلى جرائم محلية وصولاً إلى أخبار مفبركة (تأخذ الحكومة الألمانية الأولاد من عائلاتهم وتعطيهم لأزواج مثليي الجنس) في إطار محدد من الروايات. ترسم هذه القصص للحياة اليومية في أوروبا صورة مخيفة تعمها الفوضى، فالأوروبيون ضعفاء، وتتدنى أخلاقهم، وما من قيم مشتركة، ويُبقي الإرهاب الناس مشلولين من الخوف، ولا تنفك أزمة اللاجئين تزداد سوءاً، وأدت العقوبات على روسيا إلى نتائج عكسية وهي اليوم تقوّض الاقتصاد الأوروبي وتدمر دول الرفاهية. في المقابل لا تحتاج روسيا في نسخة العالم المصوَّرة هنا إلى دولة رفاهية بما أن مواطنيها أكثر صلابة.
إذا كانت روسيا تتوقع أو تخطط لصراع ما مع أوروبا، سواء كان دبلوماسياً، أو اقتصادياً، أو سياسياً، أو حتى عسكرياً، فهذه بالتحديد الاستراتيجية التي يلجأ إليها القادة الروس: تصوير جيران روسيا كمجموعة منحلة وخطيرة وعدائية وضعيفة في آن واحد، فضلاً عن إظهار أوروبا كمجتمع تستطيع روسيا الأفضل والأقوى سحقه بسهولة وعليها ذلك، قد يكون هذا الطرح متشائماً جداً، ولكن بخلاف ذلك يصعب علينا توضيح السبب الذي يدفع موسكو إلى تكبّد هذا العناء. * آن آبلبلوم* «واشنطن بوست»