عاد الهدوء منتصف ليل الاثنين- الثلاثاء إلى مناطق التوترات في مدينة بيروت، بعدما خطفت التحركات المستفزة الأضواء من الانتخابات النيابية التي شهدتها البلاد الأحد الماضي.

واجتاحت شوارع العاصمة مواكب دراجات نارية حاملة أعلام "حزب الله" وحركة "أمل"، ودخلت إلى أحياء محسوبة على تيار "المستقبل"، مما أدي إلى إشكال كبير من الطرفين في منطقة عائشة بكار. وفور وقوع المواجهات سارعت القيادات السياسية المعنية كلّها الى إدانة ما يجري، وساهمت في تبريد الاحتقان وتطويق ذيول التوتر قبل فوات الأوان.

Ad

كما صدر قرار مواز على مستوى الأجهزة الأمنية، تحديدا "المخابرات" و"فرع المعلومات"، بضبط الوضع مهما كلّف الثمن، ووصل الأمر الى حد إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري، الصريح، بوضع حد للممارسات المسيئة لـ "أمل" في الشوارع.

وقالت مصادر متابعة إن "بري تواصل مع رئيس الحكومة سعد الحريري ومع أمنيين كبار، ومع وزير الداخلية، وكان صارماً بقراره بضب كل مفتعلي الشغب ومثيري الفتنة، حتى لو كلف الأمر وقوع قتلى".

وأضافت: "من الصعوبة بمكان، فصل ما جرى عن الاستحقاقات السياسية المحلية المستقبلية، حيث رأتها رسالة من قوى محلية الى الجميع في الداخل والخارج، وعلى رأسهم الرئيس الحريري، فحواها أن إدارة اللعبة الداخلية ستبقى في يدها، خصوصا أن الاستفزاز حصل بعيد إعلان الرئيس الحريري أن "الطائف" لم يكرس حقائب وزارية لأي أطراف (علما بأن الرئيس بري كان أشار قبله بساعات الى أن اتفاق الطائف يعطي المالية للطائفة الشيعية)". وختمت: "هناك صلة بين التحركات الميدانية ورفض الحريري أن يُملي عليه أحد أي شروط حكومية، خصوصاً لناحية حجز وزارة سلفاً لفريق سياسي محدد، والشغب رسالة حكومية عشية انطلاق رحلة التشكيل".

بري

إلى ذلك، اعتبر رئيس مجلس النواب نبيه بري أنه "لا يوجد انقلاب على ضوء نتائج الانتخابات النيابية"، لافتاً الى أنه "ككل انتخابات هناك أحزاب تتقدم وأحزاب تتأخر، لكن جميع الأحزاب اللبنانية بقيت على الساحة، لأنه في لبنان لا يمكن أبداً تجاهل أحد، ولبنان بلد التوافق ليس فقط من حيث الأديان، وإنما أيضا في الأمور السياسية". واعتبر بري أن نتائج الانتخابات تؤكد معادلة "تحمي" البلاد طالما دافع عنها مع حليفه "حزب الله"، وهي "الجيش والشعب والمقاومة".

وأضاف أن "النتائج أتت مشجعة للمعادلة في لبنان، نحن نسميها المعادلة الماسية أو الذهبية: الجيش والشعب والمقاومة".

وأوضح: "نحن بلد إسرائيل احتلت، ولا تزال في أرضنا (...) لا تزال في مزارع شبعا، ولها أطماع تطالب بها في مياهنا وفي نفطنا وفي أرضنا"، مضيفا: "بالتالي المعادلة التي تحمي لبنان هي ليست المقاومة وحدها، الدولة والمقاومة يعني الشعب والجيش والمقاومة. هذه الانتخابات خطوة تأكيدية لهذا الأمر".

وقال بري: "الشعب اللبناني (...) أعطانا درساً بأنه يجب أن نغير هذا الأمر ونعود الى وطنيتنا أكثر من طوائفنا".

ووجه انتقادات الى القانون الجديد الذي قال إنه صدر بـ "أخطاء ونواقص"، و"جعل الموضوع الطائفي يؤثر أكثر من النسبية".

وأضاف: "بمجرد ما يُعقد مجلس النواب، من أول الأعمال التي يجب أن نبدأ بها هو تطوير القانون الانتخابي لكي يرضي كل أطراف المجتمع اللبناني".

في موازاة ذلك، عقد تكتل "لبنان القوي" للمرة الأولى بعد الانتخابات النيابية في المقر الرئيس لـ "التيار الوطني الحر" برئاسة رئيس "التيار" وزير الخارجية جبران باسيل. وشارك في الاجتماع النواب المنتخبون من حلفاء "التيار".

وقال باسيل​ بعد الاجتماع: "نحن تكتل يضم التيار الوطني الحر وأحزابا وشخصيات حليفة وصديقة، ونحن الدعامة الأساسية للرئيس ميشال عون والعهد، من دون أن ينفي ذلك حق الآخرين في ذلك، وسننفذ خطاب القسم وبرنامجنا الانتخابي".

وأضاف: "نحن التكتل الأكبر في مجلس النواب، وقد حصلنا على النسبة الأعلى من الاصوات وبكمية الأصوات، وهذا الأمر يحملنا مسؤولية أن نقوم بما هو اكثر"، مؤكدا أن "القانون الانتخابي حقق ٥٢ او ٥٣ نائبا بتمثيل مسيحي صحيح، ولكن حصل تطويق سياسي منع البعض من الفوز، وهذا القانون الذي لم يكن خيارنا الأول، لكنه يستحق التجربة مجددا وتحصينه، فلا عودة للوراء".

ومن ناحية أخرى، قال باسيل بعد لقائه رئيس الحزب "الديمقراطي اللبناني" النائب طلال إرسلان: "النواب الأربعة الذين ربحناهم بفضل تمثيلنا المشترك مع المير، وجميع الذين تعاونوا معنا، وإصرارنا على استعادة حقوقنا، ليس إلا البداية، والمهم أن التغيير في الجبل بدأ".

وأعلن إرسلان أنه متحالف مع "التيار على رأس السطح، وهذا التحالف يهدف إلى دعم العهد وأبناء الجبل.

وهنأت السفارة الأميركية في بيروت الشعب اللبناني بإجراء الانتخابات، وقالت في بيان أمس: "إننا، في الوقت الذي يتطلع فيه لبنان إلى تشكيل حكومة جديدة، نحض جميع الأطراف على احترام التزامات لبنان الدولية، بما في ذلك تلك الواردة في قراري مجلس الأمن 1559 و1701، إضافة الى سياسة النأي بالنفس عن الصراعات الخارجية. ونأمل أن تستمر الحكومة اللبنانية المقبلة بالسير على طريق بناء لبنان مستقر وآمن، ملتزم السلام، ومستجيب لحاجات الشعب اللبناني".

الشويفات

في السياق نفسه، وقع إشكال كبير في منطقة الشويفات بين أنصار لـ "الحزب التقدمي الاشتراكي" وآخرين من "الحزب الديمقراطي اللبناني"، تخلله إطلاق كثيف ومتبادل للنار، أسفر عن سقوط قتيل للحزب التقدمي الاشتراكي، في وقت دعا مشايخ الدروز عبر مكبرات الصوت إلى التعقل وعدم استخدام الأسلحة.

وقال رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط عبر "تويتر": "إلى الرفاق في الشويفات والأنصار وإلى الحزب الديمقراطي، الانتخابات مرت ولنفتح صفحة جديدة، ولتكن الدولة هي الحكم، وتحزم الأمر في الشويفات... معيب هذا الاقتتال العبثي في العائلة الواحدة".

وأضاف: "إنني أشجب كل دعوة تحريض أو تهييج في أي منطقة، وإن الجيش يقوم بواجباته على أكمل وجه".