هل الأفضل إلغاء انتخابات المجلس البلدي؟
باستثناء المحاكم والجمارك، تعتبر البلدية أقدم مؤسسة في الدولة. تأسست ١٩٣٠، وهي أول مؤسسة يتم انتخابها، وكانت بمنزلة الحكومة قبل تأسيس الحكومة. ومع أنها أكثر مؤسسة تؤثر في حياة الناس ومعاشهم ومياههم وسكنهم وأكلهم وتراخيصهم وشوارعهم ومخارجهم ومداخلهم، إلا أن اهتمامهم بها قليل. وقد اشتهرت البلدية في أذهان الناس بالتثمين الذي بدأ سنة ١٩٥٢، وتم إنفاق ٣ مليارات دينار حتى ١٩٨٢ فقط. ممارسات المتنفذين في مسألة التثمين والبراميل بالذات جعلت من البلدية عنواناً للفساد حتى اضطر الشيخ عبدالله السالم أن يصدر أخطر قرار وهو تأميم الأراضي سنة ١٩٥٤، ثم سنة ١٩٥٦، أو ما يعرف باسم خط التنظيم العام، وبموجبه أصبح المسموح فيه للملكية الخاصة هو ٣% فقط من مساحة البلد، وذلك هو أحد أسباب ارتفاع أسعار الأراضي. لم يقتصر فساد البلدية على التثمين، ففيها تتم التراخيص المخالفة للوائح، ليتكسب متنفذ هنا ومتمكن هناك من الحصول على أموال طائلة. وأغلب تلك التجاوزات لا يمكن إخفاؤها، كذلك المبنى العتيد على شارع الخليج، أو تحويل ترخيص مصنع قديم إلى محلات تجارية، وغير ذلك من الأمثلة. وفي البلدية أيضاً ظهر المصطلح الأكثر شهرة حول الفساد، وهو "فراش البلدية"، الذي يصلح عنواناً لمسلسل رمضاني أو غير رمضاني، لا فرق. كان ذلك الفراش ينقل كشوفات سجلات الأراضي للمتنفذين، حيث يصدرون منها وثائق بدل فاقد باسمهم، حسبما روى لي ذلك الإنسان الراقي أحمد البشر الرومي، رحمه الله، حين كان مسؤولاً عن أملاك الدولة. وعند اكتشاف الفضيحة ألقي اللوم على الفراش، ومن ثم تسفيره، فكم صار عدد فراشي البلدية حتى وقتنا الحاضر يا ترى؟ ولا ننسى محمد البداح، رحمه الله، مراقب البلدية الذي اختفى منذ ديسمبر ١٩٦١، ولم يظهر حتى الآن. عندما كتبت مقالاً رمزياً عنه في ١٩٨٦، وتمت إحالة المقال إلى النيابة، مع أنه لم يكن فيه ما يستحق ذلك، حيث حكمت المحكمة بالبراءة. ومع وجود مؤشرات على علاقة اختفائه بموضوع الأراضي، إلا أن التحقيق أغلق دون فتح ملفها. لمثل هذه الأمثلة وغيرها كثير ربما أطلق صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد مقولته المشهورة "فساد البلدية ما تشيله البعارين".ومع أن الملاحظ أن الديمقراطية الكويتية، على افتراض فعاليتها، تنطلق بجناحين "الأمة" و"البلدي"، إلا أن البلدي كان هو دائماً "الطوفة الهبيطة" في التعسف بتجريده من صلاحياته وحتى حله.
ولذلك كان "البلدي" هو أول مجلس يتم حله في كويت الدستور مايو ١٩٦٦. حدث الحل بعد أن بذل رئيس المجلس البلدي المعين حينذاك محمد العدساني جهداً كبيراً للحد من هدر وفساد التثمين، فكان أن قدر احتياجات الدولة من التثمين بـ٢٠٠ مليون دينار، فما لبث أن تم حله ليستمر مسلسل التثمين لأكثر من مليار دينار. بطبيعة الحال هناك من العاملين في البلدية والمجلس من المخلصين الذين حاولوا ويحاولون الإصلاح، ونأمل لهم النجاح، على الرغم من أن "الشق عود"، ولكن لماذا من الأفضل إلغاء انتخابات المجلس البلدي؟ لأنه حالياً بلا صلاحيات، وانتخاباته ليست إلا مضيعة للوقت، وإيحاء بالتمثيل الشعبي، وهو أمر غير موجود، ومن الأفضل تحويله كما هو واقعه إلى جهاز حكومي بالكامل، آملين أن تقوم الحكومة باجتثاث الفساد والقضاء عليه، وتخفيف حمل البعارين التي انكسرت ظهورها أو كادت، فلا درباً قطعت ولا ظهراً أبقت.