المرأة كائن مزعج، بأكثر مما تتصورون يا سادة، رغم أنها لا شك أجمل، لكن جمالها نفسه مزعج مزعج، فهو رغم سحره الذي يمنح الحياة طاقة وبهجة، يقتحم خيالاتنا نحن معشر الذكور فيلهينا ويشتت انتباهنا، حتى أن بعض المغالين يتهموننا نحن رجال الشرق الفحول بأننا نعاني هوسا جنسيا، وبأننا إنما ننقلب على المرأة بسبب ما فينا من افتتان مرضيّ بها وبجسدها المدهش. المرأة، بيني وبينكم، أذكى قليلا حين يتعلق الأمر بالقرارات المصيرية التي تحتاج روية وتأملا، لدرجة أن بعض العلماء يقول إن التفاعل بين جانبي المخ لدى النساء أسرع وأكثر كثافة من الرجال، هم علماء منحازون أو أصحاب مصالح بلا شك، أو هم من المتغربين المنادين بالمساواة المطلقة بين الجنسين. المرأة أقول لكم كائن مزعج بجسدها الغريب الشهي الذي بداخله تتخلق الحياة، فينبت الجنين الضئيل ولا تتورع الماكرة عن الجود له ببعض دمها ولحمها (كيف تحتمل ذلك تلك الجبارة العاتية؟) ثم إنها تقدر بصبر أسطوري على آلام الولادة وإملال الإرضاع، وبعدها لا تكف عن محاولاتها المضنية كي تشعرنا، نحن معشر الرجال القوامون عليها، بأننا أهون وأضعف، فتتولى الحياة بالإنبات والتثقيف، ألم يقل المنحازون للمرأة بأنها مخزن المعرفة في الثقافات المختلفة، وأنها مبدعة التراث ومانحة الحياة في الأساطير القديمة. ورغم قوتها الأسطورية التي تتجلى في الحمل والولادة والإرضاع واحتمال الضيم والعسف الذي نسومها إياه نحن معشر الرجال، أؤكد لكم أنها أضعف جسديا، نعم، دعونا نتفوق في شيء، يكفي أن تنظر إلى أجسادنا ذات العضلات المنتفخة لتعرف أننا أقوى، ورغم أن النساء أثبتن قدرة على صنع عضلات لا تقل قوة إذا توفرت لهن الظروف، ورغم الجهد العجيب الذي تبذله المرأة خارج البيت وداخله حين نكون مشغولين بمباريات الكرة أو التمتع بأحلام القيلولة، يبقى طوفان الذكور ذوي العضلات المفتولة هو الغالب.تدعي النساء أنهن أكثر حساسية ورقة، فلماذا لم يكن لهؤلاء المزعجات نصيب يذكر في فنون الموسيقى والرسم والنحت عبر التاريخ، صحيح أن السياقات التاريخية كانت قامعة حد القتل، ولا تمنحهن الفرصة سوى للغناء الذي تفوقن فيه كثيرا، لكن هذا لا يغير الحقيقة، نحن أكثر حضورا على هذا المستوى. أحيانا تصيبني ــ أنا الشرقي رمز الرجولة الجبارة المرعبة ــ حالات شك في كل ما أقول، بل وأشعر في أعماق أعماقي أن النساء إن لم يكن أفضل منا، فهن لا يختلفن عنا سوى في بعض الوظائف الجسدية التي تمنحهن الأفضلية، كما تصيبني في لحظات ضعف مشاعر رقيقة أظنها أصفى ما مر بي في حياتي، فأشعر بأن المرأة بداخلي كما أني بداخلها، وأن الوجود قائم عليها بالقدر نفسه الذي يقوم على الرجل، وأن العالم سيكون أجمل، والحياة ستكون أكثر بهجة وإشراقا إن أنا اعترفت لها بمساحاتها التي تستحق، ووثقت في وعيها وتنازلت عن تكبري الفارغ، لكني سريعا ما أطرد تلك الهواجس الشيطانية، وأسترد عافيتي العنصرية العظيمة، متمسكا بكل مكاسبي التي تراكمت عبر قرون وضعت أنا فيها معايير الحكم والتفضيل بين الجنسين.
توابل - ثقافات
تنوير : المرأة وسنينها
10-05-2018