يا ابن آدم، لن تجد الراحة في هذه الحياة، ، لن يوفرها المال لك ولا الحيلة، جئت للحياة لتشقى، مهما امتلكت من وسائل الرفاهية وأدواتها سيأخذ التعب نصيبه منك رغم أنفك، كل نوافذ معرفتنا الإنسانية تفتح على هذا اليقين، كل الأديان ذكرت ذلك كحقيقة مطلقة، قال تعالى في القرآن الكريم "ولقد خلقنا الإنسان في كبد"، ويؤكد الكتاب المقدس أن "العالم كله هو تحت سيطرة الشرير"، أما الأدب والفلسفة فمليئان بما يدل على سوداوية الحياة وطوفان الشقاء فيها والتعب المنقول، مما تعرضه شاشة الحياة على الهواء مباشرة من صور لمآسٍ ودمار وشر يتراقص كسعار نار متوجا بدخان أسود من آلام الناس ووجع الحياة، اختصرها الشاعر والفيلسوف العربي أبوالعلاء المعري حين قال: "تعب كلها الحياة فما أعجب إلا من راغب في ازدياد"!كل مصادر معرفتنا الإنسانية ومنذ الخليقة لم تحِد عن التأكيد لنا بأن الحياة "دار تعب"! والحقيقة التي لا يمكن إنكارها اعتماداً على خبرات البشر الذاتية في الحياة، وما نشاهده في عالمنا من آلام إنسانية وكوارث طبيعية وحروب وقتل وفقر يجعلنا نظن أن العالم تحت سيطرة الشيطان فعلا، وكأنما الشقاء والتعب بكل أنواعهما المادية والروحية ضريبة مفروضة على ابن آدم ليحيا، إن وجد رفاهية لجسده تعبت روحه، وإن أراد صفاء لروحه ليس له من إجهاد جسده بدٌّ، حياة اختبرها المثل الشعبي واختصرها بـ: "ما عليها مستريح"، فكيف نتعامل مع تعب لابد منه؟!
إذا كنا ملزمين بدفع مقدار من التعب مقابل وجودنا في الحياة، فمن الغبن ألا نستمتع بالخدمة! فإذا كانت الحياة بطاقة زمن "مسبقة الدفع"، فلنفكر بطريقة ما تجعلها تستحق الثمن، ولنبدأ أولا بعدم هدر الوقت في البحث عما ليس فيها، وتحديدا لنوقف البحث عن الراحة، أو فلنُعِد رسم ملامح لها غير تلك التي نحملها في مخيلتنا، تلك الصورة المشتهاة للراحة، والتي نصبغ بها جدران أوهامنا لابد من إحراقها وهدم ذلك الجدار، فحلم الحياة من دون أن ندفع الثمن من راحتنا طريقُ تعب شائك لا نهاية له.يقول هنري ثورو: "وسائل المتعة والراحة في الحياة لا مفر منها، رغم أنها المعوق الرئيسي لعلو الجنس البشري"!أما الخطوة التالية، والتي أظنها الأصعب هي إعادة صياغة الصورة السلبية للتعب في أذهاننا، والتي صوّرته "بعبعاً" يركض خلفنا ليلتهمنا، وإذا ما وجدنا ملجأ من الراحة لا نكاد نفارقه من الخوف، إن نحن أردنا الراحة في الحياة لا بد أن "نصطاد" التعب وليس الهرب منه، لا بد أن نبحث عنه بدلا من بحثه هو عنا، عبدالرحمن الكواكبي يقول: "إن الخوف من التعب تعب، والإقدام على التعب راحة"! هذه هي الحيلة التي قام بها الإنسان للتعامل مع تعب لابد منه، وهي استثمار التعب المدفوع جبرا عن طريق اختيار التعب، ولهذا مثلا يتطوع الناس في الأعمال الإنسانية وأحياناً الشاقة، وذلك لأنهم يجنون في المقابل راحة روحية، كذلك المبدعون، المفكرون، وكل أولئك الذين أحسنوا اختيار تعبهم ففتح لهم الطريق لمتعة الحياة رغم أنف الشرير، كل ما تطلبه الحياة منا: حسن اختيار التعب!
توابل - ثقافات
هيا نصطاد تعباً!
10-05-2018