أحياناً لا أفهم لماذا لا تكون الأمور بسيطة، وأحياناً أخرى تتولد لدي قناعة أقرب إلى اليقين بأن التعقيد صناعة وفن لا يتقنه إلا المتمصلحون ومجموعة من الأغبياء اعتادوا التقليد دون تفكير.إليكم هذا النموذج:
قرية تستوعب ٥٠٠ أسرة صغيرة لا أكثر، وعدد قاطنيها ١٥ أسرة فقط، يعملون في الزراعة التي لا تكاد تكفي سد احتياجات معظمهم، فجأة تم اكتشاف منجم للألماس في أطراف تلك القرية لتصبح هذه القرية من أغنى القرى في العالم.وكأي عاقل فقد قام أصحاب الأسر في تلك القرية بتقسيم إيرادات المنجم إلى أجزاء؛ الأول يتعلق ببناء القرية والمنازل والطرقات والمدارس والمراكز الصحية والترفيهية، والثاني للاستفادة القصوى من المنجم وكنوزه، والثالث للاستثمار والادخار والبحث عن مصادر تنمية الثروة، سواء باستقطاب الصناعات أو البحث عنها واكتشافها.وقد أخطأ بعض المقاولين في إجراءات البناء فتم إلغاء التعاقد معهم وإلزامهم بالتعويض، كما سعى بعض أفراد القرية إلى الاستنفاع غير المشروع والاختلاس فألقوا في السجون، وتقاعس آخرون عن أداء وظائفهم فتم إنذارهم ومن لم يستجب تم استبعاده، أما من أبدع في عمله فقد تمت مكافأته بالترقية والامتيازات الأكبر.كما كان لبعض الناس في القرية بعض الاستفسارات بخصوص بعض الإجراءات التنفيذية، وكانوا يتلقون الإجابات عنها بشكل فوري وعفوي، أما الاقتراحات من سكان القرية فكان المسؤولون يولونها الاهتمام وينفذون الجيد منها.انتهى النموذج.هكذا تسير الأمور ببساطة ووضوح ومن دون تعقيد، وهو ما يعيدني للمربع الأول: من الذي صنع التعقيد أصلا؟ ومن الذي أوجد فكرة اللجان التي تتابع إجراءات اللجان المتعلقة باللجان المختصة بتسيير أعمال اللجان؟ ومن الذي جعل ماكينة الطوابع لا ترجع المبالغ المتبقية لتكلف لجنة للبحث عن ماكينة ترجع المبالغ المتبقية؟ ولماذا يتم طلب شهادة الميلاد في معاملات ورقية تتضمن البطاقة المدنية؟ ولماذا تتطلب أبسط المعاملات توقيع المدير المسؤول وفي حال المخالفات الجسيمة في البلد يتم تشكيل لجان تحقيق لمعرفة من المسؤول؟ ولا نعرف الإجابة في النهاية.لماذا يتطلب إنشاء مبنى حكومي من دور واحد دورة مستندية تمتد مدة أطول من مدة الإنشاء؟ ولماذا يتطلب افتتاح مبنى تم إنجازه مدة تفوق مدة تشييده؟الخلاصة: إن من يصنع هذا التعقيد إما أنه غبي أو مستفيد.ضمن نطاق التغطية: مدينة حرير ومشروع جزر في ظل وجود الثروة وتدفقها، ولله الحمد، إما أن يسيرا وفق نموذج القرية في هذا المقال وإما وفق نموذج الكويت المعقد.
مقالات
صناعة التعقيد
10-05-2018