غداة إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني وإعادة فرض عقوبات عليها، طلب المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي من الأوروبيين تقديم "ضمانات عملية" لبلاده لكي تواصل التزامها بالمعاهدة الموقعة في 2015.

وقال خامنئي المعروف بعداوته وعدم ثقته بالولايات المتحدة، أمس، خلال خطاب بثه التلفزيون الرسمي، ويبدو أنه موجه إلى المدافعين عن الاتفاق ومن بينهم الرئيس المعتدل حسن روحاني: "يُقال إننا سنواصل مع ثلاثة بلدان أوروبية. لست واثقاً بهذه البلدان الثلاثة أيضاً"، في إشارة إلى بريطانيا وفرنسا وألمانيا.

Ad

وأضاف: "إذا أردتم عقد اتفاق، فلنحصل على ضمانات عملية، وإلا فإن هؤلاء سيقومون جميعاً بما فعلته أميركا. إذا لم تتمكنوا من أخذ ضمانات حتمية، وأنا أشك فعلياً في أنكم ستتمكنون من ذلك، فلن يكون مقدوراً مواصلة السير ضمن الاتفاق النووي".

وذكر المرشد الأصولي ضمنا بموقفه خلال المفاوضات التي أفضت إلى الاتفاق الحالي بتحذيره من المفاوضين الأميركيين الذين قال إنهم "ليسوا أهلا للثقة".

ووصف الزعيم الإيراني خطاب انسحاب ترامب بأنه "سخيف وسطحي"، متهما إياه بالكذب 10 مرات خلال كلمته مساء أمس الأول، وأضاف: "هدد النظام والشعب قائلا: سأفعل هذا وذاك. يا سيد ترامب أقول لك بالنيابة عن الشعب الإيراني: لقد ارتكبت خطأ".

وأضاف: "هذا الرجل سيتحول إلى تراب وجثته ستأكلها الثعابين والدود، بينما ستبقى الجمهورية الإسلامية".

تحدّ أوروبي

في غضون ذلك، سارعت القوى الأوروبية، أمس، إلى احتواء تداعيات خطوة ترامب على المعاهدة التي تخشى من أن يتسبب انهيارها بشكل كامل في تحديات أمنية مع بلد على مقربة من القارة العجوز، مع تلميح الرئيس الأميركي إلى أن هدفه النهائي هو تغيير النظام الإيراني.

وبعد أن أثار الانسحاب غضباً واسعاً في القارة الأوروبية، أفادت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي والرئيس الفرنسي ماكرون، في بيان مشترك، بأنهم تبلغوا قرار ترامب "بأسف وقلق".

وفي تحرك نادر ضد حكومة حليفة، يتم حالياً وضع خطط في بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي لاقتراح إجراءات تحظر تطبيق العقوبات الأميركية.

وتعهدت ميركل في كلمة بقيام برلين وباريس ولندن بضمان بقاء إيران في الاتفاق النووي.

وقالت ميركل: "سنبقى ملتزمين بهذا الاتفاق، وسنقوم بكل ما يلزم لضمان امتثال إيران له"، مضيفة أن ألمانيا اتخذت هذا القرار بالتعاون مع بريطانيا وفرنسا.

ورغم أسفها لقرار الرئيس الأميركي، فإنها أقرت بوجود قلق ناجم عن برنامج إيران للصواريخ البالستية ونفوذها في سورية والعراق.

وأوضحت: "هذه أمور تتجاوز الاتفاق النووي علينا الحديث عنها"، لكنها أكدت أن القوى الأوروبية ترى في الاتفاق "ركيزة مهمة لا يجدر التشكيك فيها".

امتيازات وإعاقة

وشدد وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، أمس، على أن القوى الأوروبية ستحاول الحفاظ على الامتيازات الاقتصادية التي حصلت عليها إيران إثر رفع العقوبات عنها بموجب الاتفاق الذي يهدف إلى منعها من امتلاك أسلحة نووية.

وأعلن أنه سيلتقي الاثنين المقبل إلى جانب نظيريه البريطاني والألماني ممثلين عن إيران لدراسة الوضع. وقال إن الرئيس الفرنسي ماكرون أبلغ نظيره الإيراني "رغبتنا في البقاء بالاتفاق"، خلال محادثة هاتفية أمس.

وذكر لودريان أن السلطات ستجتمع مع الشركات الفرنسية العاملة في إيران خلال أيام لبحث "كيف يمكننا مساعدة عملياتهم في إيران لمحاولة حمايتها قدر الإمكان من الإجراءات الأميركية"، لافتاً إلى أن بلاده ستحاول إجراء مناقشات "تقنية للغاية" مع الولايات المتحدة لتفادي العقوبات.

وفي الوقت نفسه، قال وزير الاقتصاد برونو لو مير إنه "ليس من المقبول" أن تتصرف الولايات المتحدة كأنها "شرطي اقتصادي"، عبر تطبيق عقوبات على شركات أوروبية بسبب تجارتها مع إيران بموجب الاتفاق.

وأكد مسؤول من الرئاسة الفرنسية أن المسؤولين الأوروبيين سيبذلون كل جهد ممكن لحماية مصالح شركاتهم العاملة في إيران، بعد قرار ترامب الذي شكل هزيمة كبيرة لأوروبا التي بذل قادتها مساعي حثيثه لإقناعه بعدم الانسحاب.

ودعا وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون الولايات المتحدة إلى عدم إعاقة الآخرين عن تطبيق الاتفاق النووي مع إيران الذي وصفه بأنه "حيوي" لأمن بلاده.

وقال جونسون أمام البرلمان البريطاني: "أحث واشنطن على تجنب أي عمل يمكن أن يمنع الأطراف الأخرى عن مواصلة المضي في تطبيق الاتفاق"، مضيفا أن بريطانيا ستبقى ملتزمة بالاتفاق طالما هو "حيوي" لأمنها القومي.

ودعا الوزير الإدارة الأميركية إلى تحديد رؤيتها لـ "المضي قدما"، متعهدا بالدفاع عن المكاسب التي حققتها لندن من الاتفاق.

مساندة وانزعاج

وتلقت أوروبا مساندة من بكين، وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية إن بلاده تأسف للقرار الأميركي.

وأضاف المتحدث أن الاتفاق متعدد الأطراف، الذي تم التوصل إليه عبر مفاوضات مع القوى العالمية الست والاتحاد الأوروبي، ساعد في الحفاظ على نظام حظر الانتشار النووي الدولي، وساهم في تحقيق السلام في الشرق الأوسط.

وأوضح أن بكين إلى جانب أوروبا الشريك التجاري الكبير سيستمران في الالتزام بالاتفاق وحماية الشركات التي تعمل في إيران.

وأعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن شعوره بانزعاج بالغ من انسحاب "البيت الأبيض"، وذكرت وزارة الخارجية الروسية أنها منيت بـ "خيبة أمل عميقة" من إعلان ترامب.

استهداف أميركي

في هذه الأثناء، شدد وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين على أن واشنطن تتصرف "بموجب العقوبات التي تحت إمرتنا بشكل مباشر أو ثانوي".

ويعني ذلك أنه قد يتم استهداف الشركات الأوروبية التي لديها استثمارات أو عمليات في الولايات المتحدة في حال واصلت التعامل تجاريا مع طهران.

وفي وقت سابق، قال جون بولتون، مستشار الأمن القومي لترامب، إن الشركات الأوروبية التي لديها مصالح في إيران أمامها الآن ستة أشهر لإنهاء استثماراتها، أو مواجهة عقوبات أميركية.

ترحيب خليجي

في موازاة ذلك، أعرب الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني، أمس، عن ترحيبه بقرار الولايات المتحدة مغادرة الاتفاق النووي مع إيران، وإعادة العقوبات التي كانت مفروضة عليها.

وقال، في بيان، إن "الموقف الذي اتخذه الرئيس الأميركي موقف شجاع، وجاء رغبة منه في ضمان خلو منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، ورداً على سياسات إيران العدائية في المنطقة، والقائمة على التوسع والهيمنة والتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، ورعاية ودعم التنظيمات الإرهابية، ومواصلة تطوير برنامجها للصواريخ البالستية، في مخالفة صريحة للقوانين والمواثيق الدولية، وبما يهدد أمن المنطقة واستقرارها".

ودعا المجتمع الدولي إلى مشاركة الولايات المتحدة في موقفها الحازم من الاتفاق حفاظاً على الأمن والسلم الدوليين.

وكانت السعودية والبحرين والإمارات قد سارعت بالترحيب بقرار الانسحاب واعتبرته يعكس التزام واشنطن بالتصدي للسياسات الإيرانية.

تأييد عربي

وأكد الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبوالغيط، أنه يؤيد مراجعة الاتفاق النووي الإيراني.

وقال أبوالغيط، في تصريحات وزعها مكتبه في القاهرة، وأدلى بها في تونس، إن "الاتفاق كان يتناول بشكل حصري الشق النووي في الأداء الإيراني. ولطالما قلنا إن هذا العنصر على أهميته ليس الوحيد الذي تجب متابعته مع إيران، لأنها تنفذ سياسات في المنطقة تفضي إلى عدم الاستقرار".

وتابع أن "إيران حتى من دون البعد النووي تتبع سياسات نعترض عليها، لأنها تستند الى الإمساك بأوراق عربية في مواجهتها مع الغرب".

وأشار إلى أن قرارات القمم العربية الأخيرة يتضح منها أن هناك "ضيقاً عربياً شديداً إزاء الأسلوب الإيراني في المنطقة العربية، ورغبة في تغييره".

الوكالة الذرية

في غضون ذلك، جدد مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يوكيا أمانو، أمس، دفاعه عن الاتفاق النووي مع إيران، وقال إن له فوائد كبيرة، وان طهران التزمت به.

وتابع أمانو: "طهران تخضع لأقوى نظام تحقق نووي بموجب الاتفاقية، وهو ما يعد مكسبا قويا للتحقق" من أنشطتها، في إشارة إلى المراقبة المكثفة التي تقوم بها الوكالة للأنشطة الإيرانية.

وأضاف في بيان مقتضب: "حتى اليوم، يمكن أن تؤكد الوكالة أن إيران تنفذ الالتزامات المرتبطة بالملف النووي".

إحراق علم أميركا تحت قبة البرلمان الإيراني

في مستهل جلسة علنية لمجلس الشورى الإيراني (البرلمان)، أحرق نواب إيرانيون، بينهم حجة الإسلام ذو النوري، الذي يرأس اللجنة النووية البرلمانية، أمس، العلم الأميركي ونسخة من الاتفاق النووي، رداً على انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق.

وتوجه عدد من النواب، في مستهل الجلسة إلى منصة الهيئة الرئاسية، وأطلقوا شعار الموت لأميركا وأحرقوا العلم الأميركي، في حين رحب باقي النواب بهذا الإجراء مرددين شعار "الموت لأميركا"، وهتافات مناهضة للولايات المتحدة، على وقع صيحات التكبير.

وكان ترامب قال أمس الأول، خلال انسحابه من الاتفاق، انه لن يسمح لبلد يتمنى الموت لأميركا بالحصول على اقوى سلاح في العالم.