لم نلاحظ مطلقاً أن ترامب عرف الكثير عن خطة العمل الشاملة المشتركة أو الصفقة النووية مع إيران، إلا أنه عرف الجزء الأهم: إنها صفقة أوباما مع إيران، وقد حكم عليها هذا الواقع بالهلاك منذ البداية، فوصفها ترامب بـ»الصفقة الأسوأ على الإطلاق» التي أسفرت عنها مفاوضات.

حضه صديقه الفرنسي إيمانويل ماكرون على عدم التخلي عنها، شأنه في ذلك شأن صديقته وخصمه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، كذلك أشارت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إلى دعمها المتواصل لهذه الصفقة، وفي المقابل عُقدت مفاوضات موازية، مما ولّد بصيص أمل بأن تنجو خطة العمل الشاملة المشتركة، وفي الشهر الماضي أخبر بريان هوك من وزارة الخارجية الأميركية الإذاعة الوطنية العامة أن هدف إدارة ترامب إصلاح الصفقة لا إلغاؤها.

Ad

لكن ترامب كان يصغي أيضاً إلى معارضي الصفقة، بمن فيهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومن المعروف أن نتنياهو حاول ممارسة الضغوط ضدها في خطاب أدلى به أمام الكونغرس في شهر مارس عام 2015، وقد عاد إلى مناوراته القديمة في خطاب متلفز الأسبوع الماضي اتهم فيه إيران بامتلاكها برنامج أسلحة نووياً سرياً، إلا أنه أغفل عن ذكر أن هذا البرنامج أُنهي قبل سنوات، وهكذا قدّم حججاً عن غير عمد للحفاظ على خطة العمل الشاملة المشتركة، حسبما أشار إيان غولدبينبرغ من مركز الأمن الأميركي الجديد.

لقي معارضون آخرون لخطة العمل الشاملة المشتركة آذاناً صاغية أيضاً لدى ترامب، فترقية جون بولتون إلى منصب مستشار الأمن القومي ونقل مايك بومبيو من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية إلى وزارة الخارجية ضمنَا على الأرجح هلاكها. في عام 2015 وصف بومبيو خطة العمل الشاملة المشتركة بـ»اتفاق مجحف» سيكون له «تداعيات سلبية كبيرة على أمننا القومي لأجيال قادمة عدة». في الوقت عينه حض بولتون ترامب على التخلي عن الصفقة والسعي إلى تغيير النظام بدلاً من ذلك، وفي النهاية ساد بومبيو وبولتون وحدس ترامب.

ولكن بعد انسحاب ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة، صار على الدول الأخرى التي عملت مع الولايات المتحدة على صوغ هذه الصفقة أن تقرر ما إذا كانت ستواصل تطبيقها من دون الولايات المتحدة.

في المقابل سيعمد معارضو خطة العمل الشاملة المشتركة داخل إيران إلى اتهام أولئك الإيرانيين، الذين خاضوا المفاوضات بحسن نية ووافقوا على فرض قيود متشددة على برنامجهم النووي، بأنهم خُدعوا بسذاجة لتصديقهم الضمانات الأميركية.

لكن فهم تفاصيل الصفقة النووية مهم لنا، وإن لم يكن كذلك لترامب، لأنه يتيح لنا أن نعرف ما خسرناه إذا أدى قرار ترامب إلى انهيار الصفقة بالكامل، وقدّمت أخيراً كيلسي دافنبورت من رابطة الحد من الأسلحة مراجعة مفيدة في هذا الشأن عبر «تويتر».

- وافقت إيران على تعطيل مخزونها من اليورانيوم المخصب وتعهدت بالبقاء أدنى بكثير من العتبة الضرورية لتطوير أسلحة طوال خمس عشرة سنة.

- أزالت إيران نحو عشرين ألف جهاز طرد مركزي تُستخدم في تخصيب اليورانيوم وخفضت مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى 3.67% إلى ثلاثمئة كيلوغرام فقط.

- فرضت خطة العمل الشاملة المشتركة أحد أنظمة المراقبة والتفتيش الأكثر شمولية في تاريخ الحد من الأسلحة النووية.

- وافقت إيران على الالتزام بشروط معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية والبروتوكول الإضافية للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولا تنتهي صلاحية هذا التعهد بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة.

أعرب معارضو الصفقة، الذين تحدثوا عن المسائل التي لم تحققها فقط، عن عدم ثقة بأي صفقة مع إيران. يدّعون أنهم يريدون اتفاقاً أفضل، اتفاقاً يفرض قيوداً على برنامج إيران للصواريخ البالستية ويرغمها على وقف دعمها لأعوانها ومجموعاتها المتمردة في المنطقة.

ثمة أسباب تدفعنا إلى الاعتقاد أن إيران وافقت على فرض قيود على برنامجها النووي السلمي وأوقفت أبحاثها بشأن الأسلحة النووية قبل سنوات من بدء تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة لأن القادة الإيرانيين استخلصوا، على غرار غالبية الدول، أن الأسلحة النووية لا تستحق العناء بكل بساطة، وكما أشرنا أعادت إيران بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة «تأكيد أن إيران لن تسعى في ظل أي ظروف وراء أي أسلحة نووية، أو تطورها، أو تحصل عليها».

لكننا متأكدون مما يلي: أدى قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق إلى عزل الولايات المتحدة، ففي عهده قدّمت الولايات المتحدة نفسها كدولة لا يُعتمد عليها، دولة لا يستطيع شركاؤها في المفاوضات الوثوق بها، ودولة لم تخلص لمن ضحوا وخاطروا من أجلنا.

* «ذي ناشيونال إنترست»