بينما تشهد العلاقة بين إيران والولات المتحدة توتراً حاداً مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الدولي المبرم مع طهران، اندلعت مواجهة عسكرية غير مسبوقة ليل الأربعاء - الخميس بين إيران وإسرائيل على الأراضي السورية وشهدت هضبة الجولان المحتلة قصفاً هو الأول من نوعه منذ انتهاء حرب أكتوبر 1973.وأعلنت تل أبيب أنها قصفت خلال غارات جوية عشرات الأهداف الإيرانية في مناطق متفرقة من سورية من بينها العاصمة دمشق رداً على هجوم مباشر ضد القوات الإسرائيلية الموجودة على هضبة الجولان المحتلة ونسبته إلى "فيلق القدس" الذي يقوده اللواء الإيراني قاسم سليماني. وأسفرت الضربات الإسرائيلية على عدة مناطق في سورية عن مقتل 23 مقاتلاً بينهم خمسة من قوات النظام السوري ومنهم ضابط و18 عنصراً من القوات الموالية له، سوريون وغير سوريين.وأعلن الجيش الإسرائيلي أن الصواريخ لم توقع ضحايا وأن الدفاعات الجوية لـ"القبة الحديدية" اعترضت 4 منها بينما سقطت الصواريخ الأخرى خارج إسرائيل.وتحدث الجيش عن استهداف صواريخه مواقع وأهدافاً من بينها: مواقع استخبارية إيرانية يديرها "فيلق القدس"، ومقرات قيادة لوجستية تابعة للفيلق، ومجمع عسكري ومجمع لوجستي في الكسوة، ومعسكر إيراني في سورية شمال دمشق، ومواقع لتخزين أسلحة تابعة للفيلق في مطار دمشق الدولي، وأنظمة ومواقع استخبارات، وموقع استطلاع ومواقع عسكرية ووسائل قتالية في منطقة فك الاشتباك.وأكد وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، أمس، أمام اجتماع أمني، أن القصف الإسرائيلي دمر "كامل البنية التحتية العسكرية لإيران تقريباً وفق بنك أهداف أعد سلفاً" في سورية لكنه شدد على أن بلاده لا ترغب بالتصعيد.وقال ليبرمان: "عليهم أن يتذكروا المثل القائل: إذا أمطرت علينا، فستهب العاصفة عليهم"، ورغم أن ليبرمان أمل انتهاء "الموجة الحالية" من التصعيد، فإن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ذكر أن "المهمة لم تنته، في ظل حالة الاستنفار".وجاء الاشتباك بعد سلسلة ضربات وجهتها إسرائيل لمواقع داخل سورية قالت إنها تحوي صواريخ أرسلتها طهران لاستهدافها بها وغداة مقتل 15 مقاتلاً موالياً للنظام نصفهم إيرانيون في ضربة صاروخية إسرائيلية استهدفت مستودع ذخيرة تابع لـ"الحرس الثوري" في منطقة الكسوة في ريف دمشق الجنوبي.وكانت إسرائيل اتخذت الثلاثاء الماضي خطوة غير مسبوقة بإصدار أوامر للسلطات في الجولان بإعداد ملاجئ للمدنيين للحماية من القنابل، بعد تقارير عن "أنشطة غير معتادة" من قبل قوات إيرانية في سورية.وقال المتحدث العسكري اللفتنانت كولونيل جوناثان كونريكوس للصحافيين "قاسم سليماني (قائد فيلق القدس) هو من أمر بتنفيذه وقاده (الهجوم الصاروخي) ولم يحقق غرضه".وقال الجيش الإسرائيلي، إن إسرائيل أخطرت موسكو قبل تنفيذ الضربات.
صمت إيراني
في المقابل، وبخلاف نفي عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني محمد جواد جمالي، مسؤولية قوات بلاده عن الهجوم الصاروخي التزمت إيران رسمياً الصمت تجاه الأحداث، لكن وسائل الإعلام شبه الرسمية ذكرت في تقارير نقلاً عن مصادر وصفتها بالميدانية أن عشرات الصواريخ استهدفت 4 مجمعات "عسكرية صهيونية" أساسية في الجولان.وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن عشرات الصواريخ أطلقت ليلاً من القنيطرة باتجاه الجزء المحتل من قبل إسرائيل في الجولان .وأضاف المرصد أن الضربات الإسرائيلية استهدفت مناطق في وسط سورية وبالقرب من دمشق وريفها وريف السويداء الغربي ومثلث درعا، القنيطرة.في موازاة ذلك، أكد الجيش السوري في بيان رسمي، أنه "تصدى للهجمات الإسرائيلية وأن منظومات دفاعه الجوي تمكنت من تدمير قسم كبير من الصواريخ الإسرائيلية المتتالية التي استهدفت عدداً من المواقع العسكرية على أكثر من اتجاه".وأضاف البيان أن "ثلاثة أشخاص قتلوا وأصيب اثنان آخران إضافة إلى تدمير محطة رادار ومستودع ذخيرة وإصابة عدد من كتائب الدفاع الجوي بأضرار مادية".واتهم مصدر من قوات موالية لنظام الرئيس السوري بشار الأسد إسرائيل بشن عدوان موسع، وقال إن الرد تم بـ"إطلاق أكثر من ٤٠ صاروخ أرض أرض باتجاه 4 مواقع عسكرية على مرتفعات الجولان".وأضاف أن "على العدو الإسرائيلي أن يقبل بمعادلة الردع الجديدة، بعد تلقيه الرسالة والرزمة الأولى".واعتبرت دمشق أن الضربات التي شنتها إسرائيل تشير إلى بدء "مرحلة جديدة من العدوان" على سورية.رواية روسية
من جهتها، ذكرت وزارة الدفاع الروسية اللاعب الدولي الأهم في سورية، أن القصف الصاروخي الإسرائيلي الكثيف استهدف مواقع إيرانية ودفاعات جوية سورية، وتم من خلال 28 طائرة حربية أطلقت نحو سبعين صاروخاً، وعشرة صواريخ تكتيكية أرض أرض، كما أكدت أن نصف الصواريخ التي أطلقتها إسرائيل تم إسقاطها.واعتبرت الوزارة، أن الضربات جاءت بـ"ذريعة الرد" واستهدفت "مواقع للقوات الإيرانية ومواقع على صلة بمنظومة الدفاع الجوي السوري في منطقة دمشق وفي جنوب سورية".وطالبت موسكو إسرائيل وإيران بـ"ضبط النفس"، ودعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إيران وإسرائيل إلى "الحوار" لتجنب التصعيد.وقال لافروف خلال مؤتمر، إن اللجوء إلى القوة "اتجاه مثير للقلق، ننطلق من مبدأ أن كل المسائل يجب أن تحل عبر الحوار"، مضيفاً أن موسكو حذرت، حتى خلال اللقاء بين الرئيس فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس الأول، "من أي عمل يمكن أن يكون استفزازياً".ووصف الوزير الروسي التوترات بين إسرائيل وإيران بالمزعجة.دعم أوروبي
وفي وقت تتصاعد المخاوف من احتمال اندلاع مواجهة أوسع بين طهران وتل أبيب، انحازات العواصم الغربية لـ"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" ودعت إلى تجنب التصعيد مع مواصلة تل أبيب تأكيدها أنها لن تسمح لإيران بترسيخ وجودها العسكري في سورية.وأدان "البيت الأبيض" الهجمات الصاروخية "الاستفزازية التي شنها النظام الإيراني" من سورية على مواقع إسرائيلية. وأيدت واشنطن بقوة إسرائيل في مواجهة أفعال "الحرس الثوري" المتهورة.وقال في بيان إن "نشر النظام الإيراني لصواريخ هجومية ونظم صاروخية في سورية لاستهداف إسرائيل هو تطور غير مقبول وشديد الخطورة بالنسبة للشرق الأوسط كاملاً".وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز لقناة فوكس نيوز، إن الهجوم على الجولان "هو مجرد دليل آخر على أنه لا يمكن الوثوق بالنظام الإيراني وتذكرة أخرى جيدة بأن الرئيس اتخذ القرار السليم بالانسحاب من الاتفاق الإيراني".ودعت المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى التهدئة في الشرق الأوسط.وفي الكلمة التي ألقتها بمناسبة منح ماكرون جائزة شارلمان الألمانية المرموقة لجهوده في خدمة الوحدة الأوروبية، قالت ميركل في مدينة آخن: "على أوروبا أن تملك مصيرها في يديها" في إشارة إلى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية مع إيران وتهديدها باستهداف الشركات الدولية والأوروبية التي تستثمر في طهران بعقوبات اقتصادية.ونددت الحكومة الألمانية بإطلاق الصواريخ معتبرة أنه "استفزاز خطير" من قبل إيران، وأكد متحدث حكومي أن الجانبين دعيا إلى التعقل ووقف التصعيد في المنطقة.وأعلنت دوائر داخل قصر الإليزيه أن ماكرون وميركل تحدثا معاً في مدينة آخن غربي ألمانيا حول التطورات وأبديا قلقهما حيالها.وأدانت بريطانيا ما وصفته بالهجمات الإيرانية على إسرائيل وطالبت روسيا باستخدام نفوذها في سورية لـ"منع إيران من استهداف إسرائيل".كما أدان وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون الهجمات الصاروخية الإيرانية وحث الجمهورية الإسلامية على الكف عن أي تصرفات قد تزعزع استقرار المنطقة.وقال جونسون: "من المهم تفادي مزيد من التصعيد الذي لن يكون في مصلحة أحد".