أولوية التنقيب في البحار للغاز على حساب النفط
خلال العقود القليلة المقبلة من الزمن سيتزايد تركيز نشاط التنقيب البحري "الأوفشور" على الغاز الطبيعي بدلا من النفط، فيما يمكن أن تؤدي سياسات الدعم والتطور التكنولوجي في الوقت ذاته الى تحول استثمارات الأوفشور لمصلحة طاقة الرياح. وعلى أية حال، وفي الأجل القصير فإن عمليات الأوفشور ستشهد تزايدا كبيرا.وألحق الانخفاض في أسواق النفط عام 2014 ضررا كبيرا بعمليات حفر الأوفشور، إذ يشكل تطوير حقل نفطي أوفشور عملا ضخما ومعقدا ومكلفا وطويل الأجل، وهو جهد استبعد اثر انهيار أسعار النفط. وبالمقارنة فإن عمليات حفر الزيت الصخري رخيصة نسبيا وقصيرة الأجل وخلال السنوات القليلة الماضية انتقلت رؤوس الأموال من قطاع الأوفشور إلى صناعة الزيت الصخري. وحتى شركات النفط الرئيسية تحولت نحو حفريات الزيت الصخري المحدودة وقصيرة الدورة.
واليوم تأتي ربع إمدادات العالم من النفط من مصادر الأوفشور، بما يقارب 26-27 مليون برميل في اليوم، وهو رقم ظل ثابتا طوال العقد الماضي، مما يدل على تراجع حصة السوق الاجمالية مع استمرار زيادة إجمالي الامدادات.
تراجع تكلفة الأوفشور
لكن تكلفة عمليات الأوفشور تراجعت بصورة كبيرة خلال السنوات الأربع الماضية إلى درجة أفضت الى بدء الصناعة بزيادة الانفاق من جديد. وبحسب تقرير صدر مؤخرا عن وكالة الطاقة الدولية فإن مشروع أوفشور نموذجي في بحر الشمال أو في خليج المكسيك بالولايات المتحدة كان يكلف قبل سنة 2014 ما بين 60 و80 دولارا للبرميل، لكن التكلفة تراجعت الى ما بين 25 و40 دولارا للبرميل في الوقت الحاضر.وقالت وكالة الطاقة الدولية، في تقريرها، إن "التصاميم تم تبسيطها وغدت نمطية، وفي بعض الحالات انخفض حجمها، كما أن التعليق الكبير في الأسواق لخدمات ومعدات الأوفشور يساعد أيضا على زيادة الضغوط التنازلية على التكلفة، رغم أن هذا الجانب يمكن أن ينعكس مع تحسن مستويات النشاط".ويمكن أن يحصل ما يقدر بمئة مشروع أوفشور على ضوء أخضر في هذه السنة، بحسب رايستاد إنرجي، بارتفاع عن 60 فقط في العام الماضي و40 في عام 2016. وقال نائب رئيس بحوث خدمات حقول النفط في رايستاد انرجي، أودن مارتنسن، في بيان، "إن مزودي الأوفشور أعدوا العدة لعودتهم، وقد مكنتهم بحوثهم المستمرة الهادفة الى خفض التكلفة وتنظيم العمليات من خفض التكلفة في مشاريع الأوفشور بنحو 50 في المئة مقارنة بالمستويات العالية لآخر دورة".التغيير الدراماتيكي
لكن حتى مع عودة عمليات الأوفشور فإن تركيبة هذا القطاع مهيأة لتغيير دراماتيكي في السنوات المقبلة. وستبتعد شركات النفط عن عمليات الحفر في المياه الضحلة التي تكون ناضجة والانتقال نحو المياه الأكثر عمقا. وفي غضون ذلك، ستستهدف الشركات بازدياد انتاج الغاز الطبيعي بدلا من النفط، كما أن طاقة رياح الأوفشور من جانب آخر باتت مهيأة للنمو بشكل دراماتيكي رغم أن وتيرة النمو تتوقف على مدى دفع الحكومة للسياسة المتعلقة بدعم الطاقة منخفضة انبعاثات الكربون.وتطرح وكالة الطاقة الدولية سيناريوهين تطلق عليهما اسم "سيناريو السياسات الجديدة" و"سيناريو التنمية المستدامة" وهذا السيناريو السابق هو أسلوب عمل معتاد رغم أنه يتضمن ابتكارات تقنية وبعض السياسات التي سبق اعلانها.ويشتمل سيناريو التنمية المستدامة على درجة أعلى من الانتقال الدراماتيكي للطاقة، حيث يفترض سياسات تدخل حيز التنفيذ بغية بلوغ الأهداف التي حددتها اتفاقية باريس للمناخ.وفي السيناريوهين يحظى الغاز الطبيعي بدور أبرز في قطاع الأوفشور، كما تحقق طاقة الرياح مكاسب. لكن في مستقبل الأعمال المعتادة يظل إنتاج نفط الأوفشور دون تغيير بشكل نسبي حتى عام 2040، ولن يصل الطلب على النفط الى ذروته قبل ذلك.وسيتساوى مع معدل الزيت الصخري الأميركي في العشرينيات، ونظرا لأن العالم لا يزال بحاجة إلى إمدادات جديدة وخاصة لتعويض حقول النفط الناضجة ستبرز الحاجة الى قطاع الأوفشور. وتقول الوكالة الدولية للطاقة: "لأن إنتاج الأوفشور أكثر تكلفة بصورة عامة فإن المشروع الهامشي المطلوب من أجل توازن السوق ضمن سيناريو السياسات الجديدة سيصبح بشكل ثابت أكثر تكلفة على الرغم من افتراض استمرار التقدم التقني".وسيتركز معظم النشاط في عدد قليل نسبيا من المواقع، وتقول وكالة الطاقة الدولية إن "البرازيل تظل الرائدة عالميا في الانتاج من المياه العميقة كما تشهد المكسيك أيضاً نمواً سريعاً نتيجة جولات العروض الناجحة منذ سنة 2016 الى جانب الولايات المتحدة والمنتجين الأفارقة وبعض اللاعبين الجدد بمن فيهم غويانا وسورينام".ويستحوذ الغاز الطبيعي على حصة أكبر مع توقع ارتفاع الطلب على الغاز والأسئلة المحيطة بالطلب على النفط في الأجل الطويل. ومعظم الانتاج الجديد سيأتي من الشرق الأوسط وأوفشور تنزانيا وموزمبيق.ورغم ذلك توجد موجة تعطيل تلوح في الأفق. وتقول وكالة الطاقة الدولية إن مشاريع النفط والغاز الأوفشور التي تراوح بين 2500 و3000 مشروع ستتوقف حتى سنة 2040.وسيرتفع توليد رياح الأوفشور عشرة أضعاف حتى سنة 2040، حتى في السيناريو الأكثر حذراً، بسبب تحفيز سياسات الدعم في الاتحاد الأوروبي والصين من بين أماكن اخرى. وتتقدم التقنية بسرعة أيضا مع مضاعفة ارتفاع العنفات الى أكثر من 200 متر من سنة 2010 الى 2016. وتلاحظ وكالة الطاقة الدولية أنه يتم الآن تطوير تصميم عنفات 12 ميغاوات، اضافة الى العمل في العنفات العائمة الآن.ويسمح تحسين توليد طاقة الرياح والتقدم بقدر أكبر من الأوفشور الى مناطق أكثر نشاطاً بتحقيق توليد أكبر وبتكلفة أدنى. وستستمر هذه الاتجاهات، وترتفع تكلفة طاقة رياح الأوفشور في الوقت الراهن بنحو 150 في المئة عن طاقة رياح الشاطئ، لكن تلك التكلفة ستستمر في الهبوط. وعلى أي حال وفي سيناريو التنمية المستدامة لوكالة الطاقة الدولية يحدث تحول أكثر دراماتيكية، لأن طاقة الرياح ستستحوذ على ثلث اجمالي طاقات الأوفشور بحلول الثلاثينيات من هذا القرن، وتتساوى مع نفط وغاز الأوفشور. وسترتفع طاقة الرياح من 14 غيغاوات اليوم الى 160 غيغاوات في سيناريو السياسات الجديدة بحلول سنة 2040، لكنها سترتفع الى 350 غيغاوات في سيناريو التنمية المستدامة. ولكن حتى في هذه الحالة تعرض وكالة الطاقة الدولية تقديرات محافظة الى حد ما – وتشكل طاقة الرياح 4 في المئة فقط من توليد طاقة الكهرباء العالمية بحلول سنة 2040 في ذلك السيناريو.ويظل إنتاج النفط مستقرا عند 27 مليون برميل في اليوم في سنة 2040 ضمن سيناريو السياسات الجديدة، لكنه ينخفض إلى 20 مليون برميل يوميا في سيناريو التنمية المستدامة، لأن الطلب على النفط يرتفع ويهبط مما سيفضي الى أسعار نفط أدنى بصورة دائمة.