دخل العراق فترة "الصمت الانتخابي"، عشية الاقتراع في أول انتخابات برلمانية بعد هزيمة تنظيم "داعش" وابتعاد شبح الحرب الأهلية، وبينما تعيش البلاد في وضع إقليمي متفجر وتجد نفسها في الوسط بين واشنطن التي تملك وجودا عسكرياً هاما على اراضيها، وبين إيران التي تعتبر لاعبا بارزا بحكم علاقاتها العابرة للحدود مع أحزاب عراقية شيعية متشددة تؤمن بنظرية الولي الفقيه، وتعتبر المرشد الإيراني الأعلى "ولي أمر المسلمين". ويتوجه ناخبو العراق الذين يصل عددهم إلى 24 مليونا و300 ألف عراقي، إلى صناديق الاقتراع، لاختيار برلمان جديد هو الرابع منذ الإطاحة بصدام حسين عام 2003، والذي سيتولى بدوره تسمية رئيس جديد للبلاد وتشكيل حكومة للسنوات الأربع المقبلة.
وتقدم 6990 مرشحاً منهم 4979 رجلا و2011 امرأة، على 329 مقعداً، موزعة بواقع 320 مقعدا عاما، و9 مقاعد "ضمن كوتة" الأقليات.وحددت مفوضية الانتخابات 7919 مركزا انتخابياً تضم 49 ألفا و677 لجنة انتخابية لاستقبال الناخبين في 18 محافظة.وسمحت مفوضية الانتخابات العراقية لنحو 963 مراقبا دوليا وأكثر من 133 ألفا من وكلاء الأحزاب والكيانات و75 ألف مراقب محلي وأكثر من 1400 إعلامي ومحطة تلفزيونية بالمشاركة في مراقبة سير العملية الانتخابية.
المنافسة السياسية
وتأتي الانتخابات في ظل تراجع دور القوى السنية، عقب احتلال "داعش" لمعظم المناطق السنية، التي تحررت لاحقاً على يد ميليشيات شيعية بات لها دور فاعل في الحياة الأمنية والسياسية. في المقابل، ترغب الفصائل الشيعية المرتبط غالبيتها بإيران، والتي خاضت المعركة ضد "داعش" في ترجمة انتصارها العسكري الى انتصار سياسي.ويعبر رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي عن توازن نادر بين واشنطن وطهران. ويرى مراقبون انه سيتمكن بالتحالف مع شركاء مثل مقتدى الصدر، وربما بعض الاحزاب السنية والكردية، من البقاء في رئاسة الحكومة. لكن يواجه العبادي خطرا من سلفه نوري المالكي، وهما ينتميان الى حزب الدعوة الإسلامي. ويقول مراقبون إنه إذا تمكن المالكي من الحصول على عدد كبير من النواب فقد يتحول الى بيضة قبان بين العبادي ومنافسه الآخر هادي العامري، الامين العام لـ "منظمة بدر"، الذي شكل تحالفا مع بعض الفصائل الشيعية المقاتلة وشخصيات سنية وكردية. وأصبح العامري مرشحا جديا لرئاسة الحكومة، بعد أن تمكن من نسج علاقة جيدة مع السعودية عبر زير الداخلية الحالي قاسم الأعرجي، وأيضا مع واشنطن بعد تعاون عسكري ضمني بينهما بدأ بعد سقوط صدام وجرى استعادته في الحرب مع "داعش".التأمين الأمني
وبينما حذرت السفارة الأميركية في العراق، أمس، من هجمات "إرهابية" تستهدف مراكز انتخابية، أعلنت وزارة الداخلية العراقية تجهيز خطة أمنية محكمة لحماية الناخبين ومراكز الاقتراع. وقال المتحدث باسم الوزارة اللواء سعد معن: "ستشاهدون هذه الأجواء الأمنية المثالية بأنفسكم، لا تتأثروا بأي وسيلة إعلام حاقدة لثنيكم عن الذهاب لممارستكم الديمقراطية الوطنية".في السياق، قال رئيس اللجنة الأمنية العليا للانتخابات في العراق الفريق موفق عبدالهادي توفيق، أمس، إنه تم "غلق المنافذ الحدودية البرية الدولية والمطارات لكافة الرحلات الجوية".وأضاف توفيق: "كما تشمل الخطة الأمنية إغلاق مداخل المحافظات ومخارجها وفرض حظر على حركة العجلات والدراجات".اقتراع العسكر والمغتربين
وكان نحو مليوني عراقي من أبناء القوات المسلحة والاجهزة الأمنية والبيشمركة الكردية ونزلاء السجون وأبناء الجالية العراقية في 21 دولة قد أدلو بأصواتهم في مراكز الاقتراع، امس الأول وأمس.وكشفت مصادر في مفوضية الانتخابات أن عملية تصويت القوات المسلحة سجلت نسبة مشاركة بلغت 79 في المئة.العبادي
في السياق وقبيل بدء الصمت الانتخابي، أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، مساء أمس الأول، رفضه المشاركة في حكومة عراقية جديدة تقوم على المحاصصة.وقال العبادي، في مقابلة مع قناة العراقية الرسمية: "أُجبرت على الدخول في الانتخابات البرلمانية الحالية، وأنا على المستوى الشخصي لم أكن أرغب في الترشح مجددا لمنصب رئيس الوزراء، لأنني أطمح إلى الخروج من الحكومة، وأنا في قمة إنجازاتي ونجاحي، وأضرب مثلاً للآخرين أن هذه السلطة لا أريدها".وأضاف العبادي: "لقد بقيت متأخرا لآخر يوم في التسجيل للمشاركة في الانتخابات، وقد أبلغني المقربون مني: أنك تريد أن تخذلنا ويجب عليك إكمال المهمة وإعطاؤنا الأمل للمرحلة المقبلة".وقال: "على المستوى الشخصي سأكون سعيدا في حال عدم دخولي في الحكومة المقبلة، وإذا أراد الشركاء في العملية السياسية تشكيل حكومة محاصصة مثل السابق فلن أكون مشاركا فيها، لأن ذلك سيعيدنا إلى المربع الأول من المحاصصة والامتيازات، وتوزيع المناصب فيما بينهم، وهذا خداع للناس، ولن أكون شريكا في انهيار ثان للدولة، وسأقف ضدهم".