أيدت محكمة التمييز إدانة مغرد بالسجن 3 سنوات مع الشغل والنفاذ، على الرغم من عدم عثور الاجهزة الامنية على التغريدات المسيئة الى سمو الامير ولقيادات وزارة الداخلية في جهاز هاتفه المضبوط، وذلك بعدما أكدت التحريات نجاح المتهم في اختراق حسابه «تويتر» بعد ضبطه من أجهزة الأمن، ومسح التغريدات المسيئة للأمير.وقالت «التمييز»، في حيثيات حكمها البارز، ان نقل ضابط المباحث لاعتراف تم أمامه من قبل المتهم يعتبر من قبيل الشهادة التي يدليها الضابط للنيابة والمحكمة، التي قد تطمئن لها المحكمة أو تستبعدها، ولكنها لا تمثل اعترافا صادرا عن المتهم.
أصل التغريدات
وأكدت في حكمها، الذي أصدرته برئاسة وكيل محكمة التمييز المستشار عبدالله جاسم العبدالله وعضوية المستشارين منصور القاضي وعطية أحمد عطية وهاني صبحي وخالد القضابي، أنه لا يشترط حصول الضابط على أصل التغريدات في «تويتر»، ويكفي أن تكون صورها مطابقة للواقع.وكانت النيابة العامة قد اتهمت المتهم بالإساءة والعيب على ذات الامير والعيب على صلاحياته بحسابه في «تويتر»، وأصدرت محكمة اول درجة حكم بحبسه 3 سنوات مع الشغل والنفاذ، وأيدت «الاستئناف» الحكم بالسجن، فطعن عليه أمام «التمييز».وقالت «التمييز» في حكمها، لما كان ذلك، وكان القانون لم يرسم شكلا خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، وكان يبين مما سطره الحكم بيانا لواقعة الدعوى- على النحو المار بيانه- وما ساقه من الأدلة التي استخلص منها الإدانة، أنه بين واقعة الدعوى بما تتوافر بها كل الأركان القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما، وأورد ادلة الثبوت التي استخلص منها الإدانة وبين مؤداها، في بيان واضح وواف يكفي للتدليل على ثبوت الواقعة بالصورة التي اقتنعت بها المحكمة، واستقرت في وجدانها، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على انها محصتها التمحيص الكافي، وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد انها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة، فإن ذلك يكون محققا لحكم القانون كما جرى به نص المادة 175 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، مما تنتفي معه عن الحكم قالة التجهيل او القصور التي رماه بها الطاعن، ويكون منعاه في ذلك غير قويم.القصد الجنائي
وأضافت: «لما كان ذلك، وكانت المادة 25 من القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعض احكام قانون الجزاء، إذ نصت على ان: (يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز خمس سنوات كل من طعن علناً أو في مكان يستطيع فيه سماعه أو رؤيته من كان في مكان عام عن طريق القول او الصياح او الكتابة او الرسوم او الصور او اية وسيلة اخرى من وسائل التعبير عن الفكر، في حقوق الأمير وسلطته او عاب في ذات الأمير او تطاول على مسند الإمارة)، فقد دلت على ان الجرائم المؤثمة بها بركنيها المادي والمعنوي تتوافر بقيام الجاني بأي نشاط ايجابي يكون من شأنه بلوغ الغاية المستهدفة بالجريمة مع علمه بما لنشاطه من أثر في تحقيق هذه الغاية، وكان توافر القصد الجنائي فيها او عدم توافره من مسائل الواقع الذي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيه، بغير معقب مادامت تقيم قضاءها على ما ينتجه». وتابعت «ولا يلزم أن يتحدث الحكم صراحة وعلى استقلال عن أي ركـــــن من اركـــان هذه الجريمـــة ما دام في مؤدى ما أورده من وقائع وظروف الدعوى يكفي للدلالة على قيامه، وما دامت الأقوال او الكتابة او الرسوم او غيرها من وسائل التعبير عن الفكر التي استعملها الجاني وقام بإذاعتها او توزيعها او ايصالها او عرضها على عدد من الناس بدون تمييز تتضمن الطعن في حقوق الأمير وسلطته أو العيب في ذاته او التطاول على مسند الإمارة، فيكون علمه عندئذ يقيناً، ولا يتطلب القانون في تلك الجريمة قصدا خاصاً بل يكتفي بتوافر القصد العام، وكان الحكم المطعون فيه فيما اورده بيانا لواقعة الدعوى- على النحو المتقدم - قد اثبت في حق الطاعن انه دون في موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) على شبكة الإنترنت العبارات المار بيانها، وكانت تلك العبارات من شأنها الطعن في الذات الأميرية والإساءة اليها والعيب فيها، والتطاول على مسند الإمارة». وذكرت أنه «قد توافر ركن العلانية من كون الموقع الذي نشرت فيه تلك العبارات عن طريق الكتابة بإمكان الكافة الاطلاع على هذه الكتابات، بمجرد الولوج إلى موقع التواصل الاجتماعي السالف بيانه باستخدام تقنية الانترنت، وكان ما قام به الطاعن بتدوينه وكتابته على موقع التواصل الاجتماعي يدل على توافر عنصري العلم والإرادة لديه، فإن ما أثبته الحكم فيما تقدم تتوافر به الجريمة موضوع التهمة الأولى في حق الطاعن بركنيها المادي والمعنوي، كما هي معروفة به في القانون، ويتضمن بذاته الرد الكافي على دفاع الطاعن بانتفاء تلك الأركان، ويكون منعاه في هذا الخصوص غير سديد».اقتناع القاضي
وبينت المحكمة: «لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الأصل في المحاكمات الجزائية هو اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته، فله أن يكون عقيدته من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلا لحكمه إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه، وكان القانون الجزائي لم يجعل لإثبات الجريمتين اللتين دان الطاعن بهما طريقا خاصا، وكان لا يشترط أن تكون الأدلة التي عول عليها الحكم، بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، إذ الأدلة في المواد الجزائية متساندة يكمل بعضها بعضا، ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة، فلا ينظر الى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون بقية الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها مؤدية الى ما قصده الحكم منها، ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها الى ما انتهت اليه».الصورة الصحيحة
وتابعت المحكمة: «ان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة امامها، على بساط البحث، الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى، حسبما يؤدي اليه اقتناعها، وان تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بها مادام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها الثابت بالأوراق، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهاداتهم وتعويل القضاء عليها مهما وجه اليها من مطاعن وحام حولها من شبهات كل هذا مرجعه الى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن اليه، وهي متى اخذت بشهاداتهم فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، والتي لها أن تعول في تكوين عقيدتها على تحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة اخرى مادامت تلك التحريات معروضة على بساط البحث، ومادامت قد اطمأنت الى جديتها».وأردفت: «وكانت المحكمة في حدود سلطتها في تقدير الأدلة قد اطمأنت الى اقوال شاهد الاثبات، والى ما اسفرت عنه التحريات وباقي أدلة الإثبات المتمثلة في اطلاع المحكمة على صور التغريدات موضوع الاتهام والتي اطمأنت المحكمة الى انها تضمنت صور ذات التغريدات التي صدرت عن الطاعن، وما اقر به الطاعن بالتحقيقات من ان الهاتف المضبوط يعود اليه ولم يستخدمه غيره، وما ثبت من وجود حساب له في هاتفه ببرنامج التواصل الاجتماعي تويتر باسم (معتقل في بلاد الحرية)».ثبوت الواقعة
وأشارت إلى أنها «استخلصت من تلك الأدلة التي اقتنعت بصحتها ومطابقتها للحقيقة والواقع ثبوت مقارفة الطاعن للجريمتين اللتين دانته بهما، فإن كل ما يثيره الطاعن حول أقوال الشاهد والتحريات وباقي الأدلة، وما ساقه من قرائن لتجريحها وقوله بعدم توافر دليل يقيني يصلح لإدانته لا يعدو في مجمله أن يكون تشكيكا في أدلة الثبوت التي اطمأنت إليها المحكمة وجدلا موضوعيا في وزن عناصر الدعوى وتقدير ادلتها تأديا من ذلك الى مناقضة الصورة التي ارتسمت في وجدان قاضي الموضوع بالدليل الصحيح وهو ما لا يجوز اثارته امام محكمة التمييز».وذكرت: «لما كان ذلك، وكان من المقرر أن عدم وجود التغريدات المسيئة التي تم نشرها بواسطة جهاز هاتف المتهم وعدم التوصل اليها من خلال جهازه المضبوط لا يترتب عليه حتما عدم ثبوت جريمتي العيب علنا في ذات سمو الأمير، والتطاول على مسند الإمارة، واساءته عمدا استعمال وسائل المواصلات الهاتفية، إذ الأمر في هذا مرجعه الى امكان قيام الدليل على حصول هاتين الجريمتين ونسبتهما الى المتهم».واستدركت: «وللمحكمة أن تكون عقيدتها في ذلك بكل طرق الإثبات، إذ لم يجعل القانون الجزائي لإثبات هاتين الجريمتين طريقا خاصا، فلها ان تأخذ بالصورة الضوئية عن تلك التغريدات التي نشرها الطاعن كدليل في الدعوى، طالما ان المحكمة اطمأنت الى انها مطابقة شكلا ومضمونا للأصل الذي تم ارساله الكترونيا ونشره، وكانت الكتابة عند نشرها ملموسة وقابلة للاطلاع عليها، ولو أزيلت بعد ذلك، فإن ما يثيره الطاعن بشأن خلو أوراق الدعوى من أصل التغريدات في جهاز هاتفه المضبوط يكون بدوره جدلا فيما لمحكمة الموضوع من سلطة تقدير الدعوى وفهم الواقع فيها بغية الوصول الى نتيجة اخرى غير التي انتهى اليها الحكم».أدلة الثبوت
وبينت المحكمة أنه «لما كان ذلك، وكانت أدلة الثبوت التي حددها الحكم المطعون فيها وأقام عليها قضاءه ليس منها تقرير الأدلة الجنائية، ولا اقوال الخبيرة الفنية، أو اعتراف صادر من الطاعن لضابط الواقعة، أو في محضر الضبط او التحريات، ولا تعدو العبارات التي نقلها الحكم عن الأخير بالنسبة لهذا الاعتراف إلا جزءاً من شهادته، ولم يأخذ به الحكم دليلاً بذاته مستقلا عن الشهادة التي افصحت المحكمة عن اطمئنانها اليها، ولا تنهض بذاتها اعترافا بمعناه القانوني، كما ان الحكم لم يعول على مسح التغريدات وإزالتها من حساب الطاعن، او كون الحساب الذي صدرت منه التغريدات يعتبر من بيانات الجهاز او برنامج فيه كدليل لإدانته، فإن كل ما يثيره من منازعة في هذا الشأن على نحو ما اشار اليه في أسباب طعنه يكون في غير محله».وتابعت: «لما كان ذلك، وكانت المحمكة الاستئنافية إنما تحكم على مقتضى الأوراق، وهي لا تجري من التحقيقات الا ما ترى لزوما لإجرائه، وكان الطاعن لم يطلب من المحكمة الاستئنافية اجراء تحقيق في الدعوى، فليس له ان ينعى عليها قعودها عن اتخاذ إجراء تحقيق لم يطلبه منها، ولم تر لزوما لإجرائه، بعد ان اطمأنت الى الادلة المار ذكرها، ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا المقام غير مقترن بالصواب».الدفاع
وقالت المحكمة: «لما كان ذلك، وكان من المقرر ان الدفاع القائم على إنكار الاتهام، وباقي دفاع الطاعن الموضوعي الذي أورده في أسباب طعنه توصلا لنفي الاتهام، لا يعدو في مجمله ان يكون دفاعاً موضوعياً لا يستلزم من المحكمة رداً صريحاً، بل يكفي ان يكون الرد عليه مستفاداً ضمناً من ادلة الثبوت السائغة التي اوردها الحكم- كما هو الحال في الدعوى الماثلة- وإذ كان الحكم المطعون فيه قد اورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ارتكاب الطاعن لجريمتي العيب علنا في ذات سمو الأمير، والتطاول على مسند الإمارة، وإساءته عمدا استعمال وسائل المواصلات الهاتفية، اللتين دانه بهما، فلا عليه ان يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه، لأن مفاد التفافه عنها أنه لم يأخذ بها واطرحها، فإن ما يثيره الطاعن بشأن التفات الحكم عن انكاره للاتهام وما ساقه من قرائن لتعزيز دفاعه المار بيانه ونفي التهمة عن لا يكون مقبولا».واستطردت: «لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه بعد ان خلص الى ثبوت ادانة الطاعن عن التهمتين المسندتين اليه وارتباطهما ببعضهما ارتباطاً لا يقبل التجزئة لم يحكم عليه سوى بعقوبة واحده- عملا بالمادة 84/1 من قانون الجزاء، وهي الحبس ثلاث سنوات مع الشغل، وهي تدخل في نطاق العقوبة المقررة للجريمة موضوع التهمة الأولى- الذي اثبت الحكم مقارفة الطاعن لها وسلم من العوار الذي نعاه بشأنها، فإن ما يثيره بشأن الجريمة الثانية يكون غير منتج.ولما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير اساس متعيناً رفضه موضوعاً».وعن طعن النيابة العامة قالت المحكمة: «ومن حيث ان النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه انه اذ قضى بمعاقبة المطعون ضده بعقوبة الحبس لمدة ثلاث سنوات عن جريمتي العيب علنا في ذات سمو الأمير والتطاول على مسند الإمارة واساءته عمداً استعمال وسائل المواصلات الهاتفية، قد شابه الخطأ في تطبيق القانون، ذلك انه اوقع عقوبة على المطعون ضده لا تتناسب مع ما قارفه من جرم، دون ان يراعي الحكم في تقدير العقوبة الظروف التي تدعو للتشديد لما ساقته من شواهد على ذلك، وهو ما يعيب الحكم ويستوجب تمييزه».موجبات الرأفة
قالت المحكمة: «وحيث إنه من المقرر ان تقدير موجبات الرأفة او عدم توافرها، وتقدير العقوبة في الحدود المقررة في القانون، وإعمال الظروف التي تراها المحكمة مشددة او مخففة، هو مما يدخل في سلطتها التقديرية، وهي عند مراعاتها للظروف المشار اليها، انما تضع في اعتبارها الواقعة الجنائية التي ثبتت لديها قبل المتهم، كما انه من المقرر انه اذا اراد القاضي استعمال الرأفة، والنزول عن درجة العقوبة المنصوص عليها قانونا الى درجة اخف، فهو لا يكون ملزما ببيان موجب ذلك والاسباب التي من اجلها أوقع العقوبة، بالقدر الذي ارتأه، ذلك ان الرافة شعور باطني، تثيره في نفس القاضي علل مختلفة، لا يستطيع أحياناً ان يحددها، حتى يصورها بالقلم او اللسان، ولهذا لم يكلفه القانون- وما كان يستطيع تكليفه- بيانها، بل يقبل منه مجرد القول بقيام هذا الشعور في نفسه، دون ان يسأل عنه دليلا، ولما كان ذلك، وكانت محكمة الموضوع قد رأت - لما اقتنعت به- من ظروف وملابسات ارتكاب المطعون ضده الجريمة ان تأخذه بقسط من الرأفة، وأوقعت عليه- بالإضافة الى عقوبة المصادرة والإبعاد- عقوبة الحبس ثلاث سنوات، وهي عقوبة تدخل في حدود العقوبة المقررة للجريمة، ولم ينزل بها عن حدود ما تسمح به المادة 83 من قانون الجزاء، وهو ما يعد من اطلاقاتها ولا تجوز مجادلتها فيه أمام محكمة التمييز، فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يضحي غير سديد».وختمت «التمييز»: «لما كان ما تقدم، فإن الطعن المرفوع من النيابة العامة يكون على غير اساس متعينا رفضه موضوعاً».