بثينة وماراثون القراءة
"كل عشر صفحات تقرأها، سيتم التبرع بقيمة دينار واحد، لتعليم الأطفال المعسرين. وكل كتاب تشتريه سيتم التبرع بـ10% من قيمته أيضا" بهذه العبارة تعمل الكاتبة بثينة العيسى، ومعها مجموعة من زملائها المتبرعين بوقتهم وجهدهم، في مشروع ثقافي إنساني كبير ومهم، وسابقة رائعة في "مكتبة تكوين"، وذلك على التواصل مع أكثر من عصفور/ طفل جميل، وأكثر من ترسيخ فهم إنساني راق في أذهان الأطفال وأولياء أمورهم، وأكثر من هدف نبيل لمساعدة المعسرين من الأطفال، وإتاحة الفرصة لهم لنيل حقهم في التعليم، في الكويت.البعض يعتقد أن دول الخليج أو دول النفط هي مجتمعات تعيش في رفاهية وبذخ لا يمكن مضاهاتهما، وأن جميع من يعيش على أراضيها ينعم بهذه الرفاهية. ولقد كتبت مراراً ما مفاده "ان دول الخليج وكأي مجتمعات أخرى، فيها الغني وفيها الفقير. وان أهلها يعيشون جنباً إلى جنب مع الوافد عربياً كان أو أجنبياً. وان هؤلاء الوافدين تتفاوت أوضاعهم المعيشية بين الغنى والفقر". لذا فقيام الزميلة الكاتبة بثينة العيسى، وعبر مشروعها الثقافي (تكوين) بجمع التبرعات للمحتاجين من الأطفال في الكويت مؤكد أنه لم يأتِ من فراغ، ولا جاء من باب القفز فوق الواقع. لكنه جاء لأن هناك أعداداً من الأطفال في الكويت، سواء كانوا من أبناء الجاليات العربية أو من أبناء فئة البدون، لا يجدون المال اللازم لدخولهم المدارس، وبالتالي يتوقف حقهم المشروع في التحاقهم بالمدرسة والعلم والتعلم، وهذا المشروع الشخصي الإنساني النابه. لا يبتعد كثيراً عن جهد مماثل تنهض به جمعية الهلال الأحمر الكويتي، وحملتها المعنونة "بالعلم نضيء الكويت"، فكلا المشروعين يتجه إلى واحدة من أهم مقومات الحياة للإنسان، وأعني بذلك العلم والتعليم.
ما يلفت النظر في مشروع الكاتبة بثينة العيسى، هو الدسّ الجميل في الحث على القراءة، وإقامة علاقة حميمة بين الطفل والكتاب، فالمشروع بقدر ما يحث على المساعدة والعمل الإنساني، يخلق علاقة بين الطفل والقراءة والكتاب، ويقرن في ذهن الطفل بين القراءة وعمل الخير والمساعدة. وكم يبدو هذا مهماً لخلق وعي يساير الطفل في شق درب حياته. كما أن المشروع إلى جانب ذلك يجر معه بعض الأمهات والآباء، ليخرج بهم من انشغالاتهم الحياتية اليومية التي لا تنتهي، ويأخذهم إلى جلسة صفاء بين أبنائهم وبصحبة الكتب.الأمر الآخر الذي لابد من التوقف عنده؛ هو أن مشروع "تكوين" هو مشروع مكتبة، ونشأت عنه لاحقاً دار نشر، وبالتالي ما يتبادر إلى ذهن الشباب، وهنا أعني الشباب الكويتي تحديداً، هو جني الربح، والتعيش من وراء بيع الكتب والتواجد في معارض الكتب الخليجية والعربية. لكن أن يتحول هذا المشروع من كونه مشروعا تجاريا إلى مشروع ثقافي إنساني فهذا ما يجب التوقف عنده، وما يجب أن يكون قدوة لدى الزملاء الأفاضل من الناشرين الكويتيين وكذلك أصحاب المكتبات. وأنا هنا أقترح فكرة مفادها: كم سيكون الأمر باهراً أن تتحد جهود مجموعة من الناشرين وأصحاب المكتبات، وأيضاً الكتّاب والمثقفين، في دعم جهد إنساني يهدف إلى التعليم، وتعليم الأطفال تحديداً. مثلما أضع نفسي متبرعاً ومشاركاً بكل ما يمكنني لدعم مثل هذا المشروع الثقافي الإنساني.أردد دائماً: مهمة الكاتب في الحياة تتعدى كثيراً كتابة رواية أو ديوان شعر أو قصة، وكذلك المسرحي والسينمائي والتشكيلي، فالمبدع منذور للكلمة والإبداع ونشر المعرفة، ومنذور من جهة ثانية لتحقيق وظيفة الفن الاجتماعية، ومساهمته في مساعدة الناس على فهم قوانين الواقع والتغلب عليها، وليس من وسيلة لذلك كما هو العلم والتعلم.علّم طفلاً تزرع شجرة مثمرة في درب الحياة... تحية للزميلة بثينة العيسى.