فور انتهاء المسلسل راحت الأم تنادي ابنتها الصغرى ليلى والتي خرجت من غرفة نومها وتبعها شقيقها الأكبر علاء وعلى وجهيهما علامات الارتباك. انقبض قلب الأم فقد أحست الست فاطمة بأن أمراً ما وقع بين ابنها وابنتها فبادرتهما بالسؤال:في إيه يا ولاد. في حاجة إنتوا مخبينها صح؟
زاد ارتباك الشقيقين ولكنهما تماسكا وقالا في نفس واحد:أبداً ما فيش أي حاجة!وأضاف الابن علاء كي يبعد الظنون عن رأس والدته:ما انتِ عارفة يا أمي، أصل ليلى ضعيفة شوية في اللغة العربية وخايفة ما تنجحش السنة دي، خصوصاً أنها سنة مهمة... دي الثانوية العامة مش أي سنة يعني.
صوت هامس
كلمات الابن المتردد هدأت من روع الأم قليلاً فطلبت من ابنتها أن تعد لها كوباً من الشاي لأنها تشعر بألم الصداع يداهم رأسها. أسرعت ليلى إلى المطبخ وأشارت الأم إلى ابنها علاء ليقترب إليها... وراحت تسأله في صوت هامس وبخبث:قول لي الصراحة يا علاء. أختك ليلى مالها؟ورد الابن محاولاً التظاهر بالتماسك قائلاً:- ما أنا قلت لك يا أمي، والله ما في أي حاجة ثانية.تظاهرت الأم بأنها تصدق ابنها وقالت وعلى وجهها ابتسامة صافية:عموماً يا ابني البنت كده والا كده مصيرها الزواج. فما تخوفهاش من الامتحانات. يعني حتى لو سقطت في الامتحان مش مهم. بيت جوزها مستنيها!دقائق قليلة وعادت الابنة ليلى من المطبخ تحمل كوب الشاي لوالدتها.كانت تلميذة الثانوية تتقدم نحو أمها بخطوات متثاقلة والرعب يكسو ملامح وجهها الأسمر. ناولت ليلى كوب الشاي لوالدتها من دون أن تستطيع أن تنظر إليها كانت عيناها تتحركان بسرعة، والارتباك يبدو واضحاً على تصرفاتها بينما راح شقيقها علاء ينظر إليها عن بعد من دون أن تلحظه أمه لينبه شقيقته ويدعوها إلى الهدوء في تصرفاتها إزاء أمهما وكأن بين الشقيقين سراً يجب كتمانه والحفاظ عليه حتى عن أمهما!لم تلحظ الست فاطمة تلك النظرات المريبة الدائرة بين ابنتها ليلى وابنها علاء. انهمكت الأم في كوب الشاي الذي في يدها وتناولته بسرعة، وما هي إلا لحظات حتى دار سقف الغرفة برأس الأم فراحت تنادي بصوت متعب:يا ولاد... أنا دايخة أوي. لم تكمل الست فاطمة الجملة حتى سقط كوب الشاي من يدها، وارتمت بجسدها على الكنبة التي كانت جالسة عليها وراحت في سبات عميق.بسرعة أشار الابن علاء بيده إلى شقيقته الصغرى ليلى كي تسرع بانتظاره في غرفتها، فاسرعت والفرحة تملأ قلبها وراحت تقفز إلى غرفتها وكأنها ستطير من على الأرض .مفاجأة
صباح اليوم التالي فتحت الست فاطمة عينيها على مفاجأة مذهلة! خزانة الملابس داخل غرفتهما كانت مفتوحة، ومحتويات الغرفة مبعثرة وعلب جواهرها خاوية!صرخت الأم صرخة هائلة، وفي لحظات كان ابنها الأكبر علاء وابنتها الصغرى ليلى يقفان إزاءها والدهشة تعلو قسمات وجهيهما. قالت الأم باكية: الحقوني يا ولاد، احنا اتسرقنا!وأبدى الابن علاء المزيد من الدهشة وسأل والدته باستغراب:اتسرقنا إزاي يا أمي... وإيه اللي اتسرق؟وردت الست فاطمة باكية :مجوهراتي كلها اتسرقت. مجوهراتي ثمنها أكثر من 50 ألف جنيه. اتصرف يا علاء يا ابني اعمل حاجة!ولم يكذب الابن خبراً. انطلق بأقصى سرعة إلى قسم الشرطة وأبلغ عن السرقة، وعاد الشاب وبصحبته رجال المباحث الذين عاينوا مكان الجريمة، وكانت أهم الملاحظات التي استرعت انتباه الضباط وجود كسر خارجي بباب المنزل، ما يشير إلى أن الجناة «أغراب»، وربما تسللوا في ساعة متأخرة إلى الداخل وارتكبوا جريمتهم أثناء نوم كل من كان في المنزل.قرط ذهبي
وبدأ ضباط المباحث في استجواب سكان البيت، الأم والابن والابنة !ولم يتلق الضباط أية إجابة شافية من الجميع، فلم تكن الردود تكفي للإمساك بأول طرف الخيط لكشف غموض الحادث. ولكن أحد الضباط عثر بالمصادفة على قرط ذهبي ملقى إزاء غرفة الابن علاء!ارتبك الابن بشدة، وزاغت عيناه فاندفع كل الضباط الموجودين بالبيت إلى غرفته لتفتيشها جيداً، وخرجوا منها ومعهم جواهر الأم المسروقة !انهار علاء تماماً وتهالك إلى أقرب مقعد وقال:سوف اعترف بكل شيء!وصرخت الابنة ليلى في شقيقها الأكبر قائلة:** لا يا علاء ما تقولش أي حاجة!ثم سقطت تلميذة الثانوية مغشياً عليها، بينما وقفت الأم الست فاطمة لا تفهم ولا تصدق كل ما يجرى حولها!اعترافات
جاءت اعترافات الابن علاء إزاء وكيل النائب العام وكانت غاية في الإثارة.قال الابن الأكبر في انكسار أنه سقط في غرام فتاة تدعى سلوى، وتقدّم لطلب يدها من شقيقها مصطفى الذي يرتبط معه بصداقة قديمة. ولكن صديقه اشترط عليه أمرين للموافقة على زواجه من شقيقته. الأول أن يكون مهر سلوى 20 الف جنيه، والثاني أن يوافق علاء على تزويجه شقيقته الصغرى ليلى!وأضاف المتهم علاء في اعترافاته أنه فاتح شقيقته الصغرى في أمر زواجها من صديقه وحصل على موافقتها... ولم يتبق أمامه سوى تنفيذ الشرط الأول وهو إحضار مبلغ 20 ألف جنيه مهراً لعروسه «سلوى»، وبعد طول تفكير لم يعثر على حل سوى سرقة جواهر والدته. من ثم، اتفق مع شقيقته ليلى على دس الحبوب المنومة لوالدتهما في كوب الشاي وعندما راحت في نوم عميق فتح خزانة ملابسها واستولى على جواهرها. وكي يبعد الشبهات عنه وعن شقيقته كسر باب المنزل من الخارج لإيهام رجال الشرطة أن الجناة لصوص غرباء.طوق النجاة
اعترافات الابن علاء أكدت مشاركة شقيقته الصغرى ليلى في الجريمة، فاستدعاها رجال الشرطة وطرحت عليها الأسئلة إزاء وكيل النيابة. وجاءت إجاباتها حاملة المزيد من الإثارة. قالت الابنة الصغرى باكية إنها هي الأخرى سقطت منذ فترة في حب مصطفى صديق شقيقها، وتطورت العلاقة بينهما إلى أبعد حد من دون علم شقيقها علاء، وأنها ظلت تفكر في حل لمشكلتها مع محبوبها من دون جدوى إلى أن فاتحها شقيقها ليلة الحادثة في أمر زواجها من صديقه. وهنا، وجدت أن الحل جاءها على طبق من ذهب فوافقت فوراً على ارتكاب الجريمة التي كانت بمنزلة طوق نجاة لها. ودسّت الحبوب المنومة لوالدتها لتمهد الطريق لشقيقها علاء للاستيلاء على الجواهر كي يسلمها لصديقه أو حبيبها مصطفى حتى يتزوجها قبل أن يُفتضح أمرها وتنكشف ثمرة علاقتهما الآثمة!رد فعل الأم
خارج غرفة وكيل النائب العام، كانت الأم الست فاطمة تقف في ذهول لا تدري ما الذي دفع ابنها وابنتها إلى سرقة جواهرها! كثير من الأسئلة دارت في رأس الست فاطمة من دون أن تعثر على إجابة لأي منها.انتهت تحقيقات النيابة، وانفتح باب غرفة وكيل النائب العام وخرج الابن والابنة مقيدين بالكلابشات الحديدية، واقتادهما رجال الشرطة إلى السجن فأسرعت الأم إلى فلذتي كبدها وعلى لسانها سؤال واحد: فيه إيه يا ولادي؟ فهموني طيب عملتوا كده ليه؟سؤال حائر
ولم يقو علاء أو شقيقته ليلى على الرد. انهمرت الدموع من عيونهما وسارا منكسي الرأس من دون أن يجيبا عن سؤال أمهما الحائر. وعادت الأم تلتفت إلى باب غرفة التحقيقات لتشاهد وكيل النائب العام يخرج منها. انطلقت الست فاطمة البائسة إليه. حاولت تقبيل يده وهي تقول باكية:إيه الحكاية يا ابني... أنا مش فاهمة حاجة؟وربت وكيل النائب العام في حنان على كتف الأم المسكينة قائلاً:** علاء وليلى اتحولوا للمحكمة... الحكاية مش مجرد سرقة. ربنا يكون في عونك يا أمي.الإصابة الكاملة
انصرف وكيل النائب العام من أمام الأم التي زادت حيرتها... أربعة أيام كاملة لم تذق فيها الست فاطمة طعم النوم ولم تعثر على إجابة عن أسئلتها الكثيرة والتي زادت سؤالاً آخر جاء على لسان وكيل النيابة عندما أشار إلى أن الحكاية ليست مجرد سرقة. إذاً ما هي الحكاية؟سؤال كاد يدفع بالست فاطمة إلى الجنون... ولم يكن أمامها سوى الانتظار إلى حين موعد بدء محاكمة ابنها وابنتها لتعرف الإجابة الكاملة عن أسئلتها.جلسة المحاكمة
انعقدت جلسة محاكمة الابن علاء والابنة ليلى إزاء محكمة جنح ناصر النوبة برئاسة المستشار محمد أنور أبو سحلي وأمانة سر أحمد الزمل. وقف الشقيقان المتهمان داخل قفص الاتهام يخفيان وجهيهما بينما جلست الأم في الصفوف الأولى من قاعة المحكمة والدموع تنهمر من عينيها.وبدأ رئيس المحكمة بمناقشة المتهم الأول علاء وكرر الابن أقواله واعترافاته التي سبق وأدلى بها إزاء النيابة. كانت كل كلمة تخرج على لسان الابن تمزق قلب الأم الست فاطمة. لم تصدق ما تسمعه بأذنيها. لم تحتمل الأم المسكينة كشف الحقائق على الملأ والتي كانت بمنزلة الطعنة القاتلة لتعبها في تربية ابنها وسهرها على راحته بعد سفر زوجها للعمل في إحدى الدول العربية منذ سنوات طويلة.وجاء الدور على المتهمة الثانية ليلى، تلميذة الثانوية العامة التي أكملت عامها التاسع عشر قبل أسابيع قليلة. ولم تقو الأم على سماع تفاصيل العار الذي جلبته الابنة لها. انطلقت من مكانها صوب المنصة وراحت تستعطف رئيس المحكمة أن يرحم ولديها وأن يرحم كبر سنها من الفضيحة التي ستطاردها وتطارد ابنتها طوال العمر.ووافق رئيس المحكمة على أن تكون جلسة المحاكمة سرية. وسقطت الأم مغشياً عليها وهي تستمع إلى اعترافات ابنتها عن علاقتها المشينة بالشاب مصطفى الذي خدعها. وعندما أفاقت الأم جلست تبكي بحرقة وقدمت تنازلاً عن حقها في القضية، ولكن رئيس المحكمة أكد لها أن ثمة حقاً آخر لا يمكن التنازل عنه وهو حق المجتمع في القصاص من الجريمة التي اقترفها ابنها وابنتها .وفي نهاية الجلسة قضت المحكمة باستعمال الرأفة مع الابن والابنة المتهمين وقررت حبسهما أسبوعاً حرصاً على مستقبلهما. وخرجت الست فاطمة من القاعة والدنيا تدور بها والأرض تهتز تحت قدميها وعلى لسانها سؤال واحد:أنا عملت إيه في دنيتي علشان يكون جزائي كل الفضايح دي؟وتهمهم الأم البائسة وهي تحدث نفسها باكية:يا ريت الحكاية كانت مجرد سرقة.