سقوط الأحزاب بعد سقوط الأيديولوجيات!
الملاحظ أن استمرار النهج التقليدي هو نتاج انحطاط ثقافي وسياسي يصاحبه انحطاط في مستوى التعليم العام والجامعي، أي أن الأمة تدخل مرحلة جديدة لكنها في الوقت نفسه تقليدية متخلفة، ويمكن ملاحظة ذلك من الفساد المستشري في دولنا العربية سياسياً ومالياً وإدارياً.
إنه لأمر غريب ومثير أن نرى هذا الزخم الانتخابي العربي في عدد من الدول العربية في شهر مايو 2018م، فهي في لبنان وتونس والعراق والكويت نيابية وبلدية، ورئاسية مصرية سبقتها.ما حكاية الديمقراطية العربية في هذا الشهر، ثم تسافر الحكومات ومجالسها النيابية والبلدية إلى أوروبا وغيرها لقضاء إجازة الصيف! ثم تعود مع بداية الموسم السياسي في بداية أكتوبر من كل عام؟
وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي في بداية التسعينيات من القرن الماضي سقطت الأيديولوجيات الفكرية السياسية، وفي الانتخابات العربية الأخيرة بدأت ظاهرة سقوط الأحزاب السياسية، فلم يحصل ممثلوها المرشحون على الأصوات بل اتجه الناخب نحو "المستقلين" ما عدا بعضهم.ولما كانت الأحزاب السياسية وحرية عملها أساس الديمقراطية فإن سقوطها يعني سقوط الديمقراطية التي لم تتأسس ولم ندخلها أصلاً، لكن هل هذه نهاية التاريخ كما يقول فوكوياما أم بداية تاريخ جديد، وعصر الدولة المدنية والعقلانية والأحزاب الجديدة لا بل أيديولوجيات جديدة؟ الملاحظ أن استمرار النهج التقليدي هو نتاج انحطاط ثقافي وسياسي يصاحبه انحطاط في مستوى التعليم العام والجامعي، أي أن الأمة تدخل مرحلة جديدة لكنها في الوقت نفسه تقليدية متخلفة، ويمكن ملاحظة ذلك من الفساد المستشري في دولنا العربية سياسياً ومالياً وإدارياً. إن انتصار القوى العظمى في تاريخنا المعاصر نتيجة تخلفنا وشفط المليارات من الدولارات من عائداتنا بشراء السلاح وغيره، الأمر الذي يدل على أننا في العصر الجديد غير قادرين على صناعة مستلزماتنا الاستهلاكية، ولا تأمين الحد الأدنى من أمننا الغذائي والمائي! لقد سقطت الأيديولوجيات بسقوط تياراتها، وسقطت الأحزاب السياسية بسقوط فكرها إن كان لها فكر، وتحولت إلى بؤر طائفية وعشائرية، وعادت مجتمعاتنا إلى نقطة البداية، كما كانت، وتدور في الحلقة المفقودة الفارغة، ونكون نحن في بداية التاريخ، كما يقول غالي شكري، لا نهاية التاريخ كما يقول فوكوياما. إنها مرحلة يصعب علينا فهمها، وإلى أين؟ إننا نسير إلى المجهول إلا بمتغير تاريخي يعيد ترتيب الأوراق لا خلطها ربما بعودة العقل والعقلانية.