أميركا وإيران: هل جدَّ الجد؟!
"أن تأتي متأخراً خير من ألاّ تأتي أبداً"، فإعلان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عن "الاستراتيجية" الجديدة للتعامل مع إيران، التي تضمنت "12" شرطاً (هذا الرقم يجب التوقف عنده ملياً لأنه يعني أمراً في غاية الأهمية بالنسبة للإيرانيين)، يؤكد أن واشنطن في عهد هذه الإدارة جادة، وأنه غير مستبعد -إن لم يذعن نظام طهران ويستجيب لها- أن يتم اللجوء للقوة العسكرية، هذا إنْ لم تنفع العقوبات الاقتصادية التي من الواضح أنها "ستنفع" بالتأكيد.إن ما تريده الولايات المتحدة في عهد هذه الإدارة المناقضة للإدارة السابقة، التي أطلقت، بميوعتها أو "حولها" السياسي، يد إيران في هذه المنطقة كلها، هو -بالإضافة إلى انصياع إيران لكل المطالب المتعلقة ببرنامجها النووي وصواريخها البالستية- قطع علاقاتها بالتنظيمات الإرهابية وإنهاء تمددها العسكري والسياسي والأمني في سورية والعراق واليمن ولبنان، وفي غزة وأفغانستان، وأيضاً أن تعود لحجمها الطبيعي، هذا بالإضافة إلى شروط أخرى، من بينها إطلاق سراح المواطنين الأميركيين المعتقلين لديها.
وهنا، فإن ما يشير إلى جدية غير مسبوقة أن بومبيو قد قال محذراً: "إن أنشطتكم الحالية ستُواجه بحزم فولاذي"!وبالطبع، فإن أول سؤال من المفترض أنه تبادر إلى أذهان كثيرين -سواء في هذه المنطقة، التي غدت بعض دولها بمثابة "إقطاعيات" عسكرية وسياسية لجنرال حراس الثورة الإيرانية "الطرزاني" قاسم سليماني، أو في الغرب والشرق والعالم كله- هو: هل ستبقى إيران يا ترى متمسكة بما فعلته وما بقيت تفعله وستظل مصرة على سياساتها وتصرفاتها الحالية؟ أم أنها ستذعن في النهاية، وإنْ بطرق وأساليب ملتوية لحفظ ماء الوجه والمحافظة ولو على جزء من الكرامة (القومية)؟!إن الواضح أنّ إيران ستبقى تناور وتداور، وستحاول الاستمرار بقدر الإمكان في لعب الورقة الأوروبية، التي ثبت أنها غدت محروقة منذ اللحظة الأولى، إذ إن شركات معظم دول أوروبا وهيئاتها الاستثمارية في الدولة الإيرانية قد بادرت إلى حزم أمتعتها وإنهاء أعمالها في هذا البلد، الذي أصبح على "كف عفريت"، حرصاً منها على مصالحها، التي هي مصالح كبرى في الولايات المتحدة الأميركية.والحقيقة أن إيران غدت مكشوفة منذ اللحظة الأولى، التي أعلن فيها مايك بومبيو استراتيجية بلاده الجديدة، وهو يهز قبضته بكل عنف وقوة في وجه علي خامنئي ووجه حسن روحاني، فالروس رغم الاستمرار بعرض عضلاتهم في سورية وفي القرم وأوكرانيا، يعرفون ويدركون أنه لا تزال هناك دولة عظمى واحدة في هذا الكون كله هي الولايات المتحدة، وأن القوة الفعلية في عالم اليوم هي القوة الاقتصادية التي لا تملكها إلاّ أميركا، وهذا ينطبق أيضاً على الصين التي بإمكانها أن تناور في هذا المجال بقدر المستطاع، لكنها في النهاية ستذعن للأمر الواقع، مراعية أن مصالحها الرئيسية في واشنطن، لا في هذه الدولة الإيرانية المجوفة من الداخل والمصابة بأمراض قاتلة كثيرة.