منذ سنين وعلاقة المصلحة أصبحت فوق العدالة في مجلس الأمة؛ لهذا السبب أرى أنا شخصيا كمواطن كويتي أن مجلسنا الحالي مشلول مقارنةً بما سبق، ومع أنني أعشق المقالات التي أسرد فيها أمثلة اجتماعية يكون مصدرها عالم الحيوان، وهو منهج كليلة ودمنة، لكن قرائي اعتادوا على أمثلتي بأن تكون علمية لا أدبية. الدكتور روبرت سابولسكي من جامعة ستانفورد، حاضر للطلاب عن علاقة البيولوجيا بالسلوكيات الاجتماعية، فذكر موقفاً ظريفاً حصل للعلماء الميدانيين في الأدغال وهم يدرسون سلوكيات مجتمع الوطاويط، فاصطادت شبكة الصيد خفاشة (أمّاً)، حلقومها مليء بدم ضحيتها، فأفرغوا جوفها ثم نفخوه بالهواء لتنتفخ رقبتها من جديد، بعد ذلك أرسلوها إلى مجتمعها، فدخلت عليهم وهي منتفخة، وفتحت حويصلتها فانكمشت! فتخلى كامل سرب الوطاويط عنها هي وأبناؤها.
ففي مجتمع الخفافيش تنتشر الأمهات في الأدغال لامتصاص دماء الضحايا، وتعبئ كل سيدة خفاشة محترمة وعاءها الحلقومي بالدماء، لتكون رقبتها منفوخة حينما تدخل على الجماعة في الكهف، وبعدها تصب الأمهات كمية قليلة من الدم في جوف كل طفل ليشبع جميع الأطفال في أسرع وقت، وتضمن كل أم تغذية ابنها حتى إن حصل لها مكروه لا سمح الله. فتلك المنفوخة هواء أساءت صديقاتها فهمها، فالمسكينة أم العيال كان وعاؤها الحلقومي مملوءا بالهواء رغما عنها، وأما الدم الذي شقيت في إعداده كوجبة لأبناء صديقاتها فضاع منها! يبدو أن طريقة مجتمع الوطاويط هي وضع المصلحة فوق العدالة، كذلك حالنا مع من يصوّت لمصلحة أبناء قبيلته أو طائفته على حساب عدالة الكويت، لأجل أن تدور عليه دائرة الوساطات كدائرة بوفيه الدماء، فكم ضحية من الخريجين والحالات المرضية التي تحتاج إلى السفر للخارج امتصوا دمها؟ومن الطريف أننا نقول كلمة كويتية عامية فصيحة تماما حسب سائر المعاجم: "أنت لا تدخل ديوانيتنا ولا توطوط عندنا!"، فالوطوطة هي إصدار صوت هزيل يثير الشفقة، مما كان السبب في تسمية الخفافيش بالوطاويط، فإن أصواتها توحي بالمسكنة والضعف، فمتى سنزأر في وجه كل من يوطوط عند ديوانيتنا وأماكن عملنا، وهو يشحذ أصوات قبيلته أو طائفته؛ ليفوز في النهاية ولا ينفع إلا من "ينفخون" له طال عمره؟!
مقالات - اضافات
خفافيش المجلس
25-05-2018