هل نشهد قمة إيرانية - أميركية؟
لا شك أن الكثير قيل وكُتب عن مدى غرابة قرار ترامب الانسحاب من الصفقة النووية الإيرانية، وخطورته، وفشله، وقد حُذّرنا من أن إيران، إذا حُرمت الفوائد الاقتصادية التي تجنيها من الصفقة النووية، فلن يتبقى لها أي دافع للتوقف عن تخصيب اليورانيوم أو إبطاء تقدم برنامجها للصواريخ البالستية، علاوة على ذلك، تؤكد الحجج المطروحة أن قرار ترامب عزز ثقل المتشددين داخل إيران على حساب مَن يوصفون بالبراغماتيين في نظام هذا البلد.نتيجة لذلك، ستملك إيران الرغبة والقدرة لتطور قنبلة بسرعة أكبر مما كان سيُتيحه لها ما يُدعى بنود انتهاء فترة سريان الاتفاق في الصفقة النووية لعام 2015.الخلاصة: المجنون وحده يقدِم على ما فعله ترامب.
ولكن يمكننا أن نقرأ بطريقة مختلفة الأحداث المحيطة بانسحاب ترامب من الصفقة النووية الإيرانية لعام 2015، وإليكم الأسباب.أولاً، تغفل الرواية المذكورة أعلاه، عقبتين رئيستين في درب استئناف برنامج إيران النووي: الاستياء الاقتصادي والاجتماعي المتنامي في البلد وتردد موقعي الصفقة النووية الآخرين في رعاية أو حتى تقبّل انضمام إيران إلى نادي القوى النووية.أرخى سوء الإدارة، والفساد، والطموحات الجيو-سياسية غير المستدامة اقتصادياً بظلالها بقوة على اقتصاد إيران، فلم يستخدم النظام جزءاً كبيراً من عائداته، التي حصل عليها بموجب الصفقة النووية لعام 2015، لتحسين ظروف عيش مواطنيه أو تحديث الاقتصاد الإيراني، بل استعمله في تمويل الإرهاب، وتعزيز تدخله العسكري في سورية واليمن ولبنان، ومحاولة زعزعة استقرار إسرائيل، نتيجة لذلك، ينمو الاستياء الاجتماعي ويفقد الشعب صبره. وبدأت التظاهرات في الشوارع، التي انطلقت في أواخر شهر ديسمبر، تزداد حدة على صعيد الأمة، وإذا واصلت هذه التظاهرات اتساعها والأحوال الاقتصادية تدهورها، فقد تصبح وحدة النظام مهددة.علاوة على ذلك، رغم كل احتجاجات الموقعين الأوروبيين على قرار ترامب الانسحاب من الصفقة النووية لعام 2015، يعجزون عن إنقاذ هذا الاتفاق وبالتالي إعادة تفعيل الاقتصاد الإيراني. السبب بسيط: لن تتجرأ الشركات الأوروبية على عقد الصفقات مع إيران مخافة خسارة قدرتها على الاستفادة من الأسواق المالية والسلع الأميركية، لذلك تفضّل البقاء على الحياد إلى أن تتوصل الولايات المتحدة وحكوماتها إلى اتفاق.أضف إلى ذلك واقع أن حليفَي إيران الرئيسين، روسيا والصين، اللذين تعتمد عليهما طهران اعتماداً كبيراً دبلومسياً وتجارياً على حد سواء، لن يشعرا بالراحة في التعاطي من دولة إيرانية متسلحة نووياً، صحيح أنهما يساعدان طوعاً نظام إيران في صراعه مع الولايات المتحدة، إلا أن هذه المساعدة لن تصل إلى حد تمكين طموحات إيران النووية.نظراً إلى هذه الاعتبارات، سيكون الملالي على الأرجح أقل عزماً على مواجهة واشنطن واستئناف برنامجهم النووي، فاستمرار نظامهم مهددٌ، ولا شك في أنهم يدركون ذلك، وهذا يعلل الاعتدال في رد فعلهم تجاه انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية لعام 2015. لا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن الرئيس الإيراني روحاني، في الأيام التي سبقت قرار ترامب، ذهب إلى حد التحذير من أن الولايات المتحدة ستواجه «عواقب وخيمة» إذا انسحب ترامب من الصفقة، ولكن عندما صار هذا الانسحاب واقعاً، خفف الرئيس روحاني نبرة خطابه، وأشار إلى أن بلده سيواصل الالتزام بالصفقة طالما أن موقعيها الآخرين يبقون العقوبات مرفوعة.بالإضافة إلى ذلك، أعرب النظام الإيراني أيضاً عن ضبط النفس على الصعيد العسكري، صحيح أننا شهدنا في الساعات التي تلت قرار ترامب تبادلاً للنيران بين إيران وإسرائيل، تبادلاً بدأته إيران وأثارته، ولكن اتضح في النهاية أن إيران تقف في الطرف الخاسر: فقد دُمرت بعض منشآتها العسكرية وقُتل عدد من جنودها، في حين لم تُسجَّل أي إصابة في الجانب الإسرائيلي، رغم ذلك، بدل مواصلة استفزازهم إسرائيل، تبنى الملالي ضبط النفس في الوقت الراهن.يُظهر حذر النظام الإيراني هذا أن مصلحة طهران تقتضي عدم تبني موقف عدائي من قرار ترامب. ويصح ذلك خصوصاً مع تحذير الرئيس الأميركي من أن النظام الإيراني سيواجه «عواقب حادة جداً»، إذا استأنف برنامجه النووي. وربما تنبه الملالي لأن ترامب سياسي يحاول، بخلاف سلفه، الالتزام بوعوده وخطوطه الحمراء، فقد شكّلت الاقتطاعات الضريبية، والتخفيف من التنظيمات، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، والانسحاب من اتفاقيات باريس وأخيراً من الصفقة النووية الإيرانية جزءاً من وعوده الانتخابية التي لم يتفادَ ترامب تطبيقها.لكل هذه الأسباب، إذا أراد النظام الإيراني إنقاذ سلطته وترسيخها، فلن يجد قادته طريقة أفضل للقيام بذلك من محاولة خوض مفاوضات مباشرة مع الرئيس الأميركي وممثليه. لذلك، لا يمكننا أن نستبعد عقد قمة أميركية- إيرانية.قد يتبين في هذه الحالة أن مناداة ترامب بضرورة تغيير النظام في إيران تشكّل ورقة مقايضة وأداة تهديد هدفها حض الملالي على التفاوض للتوصل إلى صفقة جديدة.ولكن كي نشهد حدثاً مماثلاً يبدّل اللعبة، لا يكفي أن تكون إيران مستعدة لتعلّق برنامجها النووي أو تتخلى عنه، بل عليها أن تترك أيضاً دعمها الإرهاب، ومغامراتها التوسعية، وأخيراً وليس آخراً، محاولاتها تقويض إسرائيل وزعزعة استقرارها. تخيّل هذا التبدّل الافتراضي في الأحداث صعب اليوم، لكنه ليس أكثر أو أقل صعوبة من توقع قبل بضعة أشهر ذوبان الثلج ولو قليلاً بين كيم يونغ أون ودونالد ترامب، قد لا يكون هذا التبدّل محتملاً، إلا أنه ممكن على الأقل.عندما تُعقد القمة الأميركية- الإيرانية، هذا إن عُقدت، فسيجني الجميع المكاسب، سيُسر الملالي بإنقاذهم نظامهم، وستسعد روسيا والصين، فضلاَ عن الموقعين الآخرين على صفقة 2015، بحصولهما على بعض الفضل في تحقيق إنجاز مماثل. بالإضافة إلى ذلك، ستشعر إسرائيل والدول السنية ببعض الراحة، مع أنها لن تتخلى عن حذرها، علاوة على ذلك، سيصفق مؤيدو ترامب لمهارات أيقونتهم العالية، أما معارضو ترامب المتشددون ومَن يشاطرونهم الرأي من المحللين، فسيُسرون بالادعاء (وفق العادة التي درجوا عليها) أن ترامب الغبي وقع في شرك النظام الإيراني بمساعدة فلاديمير بوتين وتشي جينبينغ.● فابيو فيالو- ريل كلير ورلد