د. ورداني... وداعاً أيها العالم الفريد
في خضم معركة سل لها أهل الباطل كل سيوفهم ورصوا للظفر بها جميع جنودهم، فقد معسكر الحق ورجاله العالم الفريد والشيخ الأسطورة الجليل الأستاذ الدكتور ورداني عبدالراضي، المعلم والمربي الفاضل، الذي سخر حياته كاملة لبناء أجيال تحمل كتاب الله وتذود عن سنّة رسوله، صلى الله عليه وسلم، وتدافع عن الإسلام ديناً وأركاناً إلى يوم لا ينفع مال ولا ولد، وأثمرت غراسه أفاضل في كل مجال، أطباء ومهندسين ومعلمين ومحامين ومحاسبين، وغيرهم.بمصابنا فيك يا أعز الناس خسر القاصي والداني كريماً أمد المعوز من ماله، وأغنى به الله المحتاج عن ذل المسألة، وأنار بحكمته وحنكته عقولاً غمرتها ظلمات الجهل والوهم، وأعلى بعلمه ومعرفته راية بلدان حجزها عن العوالم الماء والجبل، وقرّب بنقاء سريرته وحسن عشرته بين قلوب ورثت الجفوة والعدا، وأزاح ببعد نظره وكياسته أجساداً تناوبت منذ قديم الأزل على التناحر والفرقة والتباغض.يا خير الأهل والصحب، بفضل مناجاتك لله ودعواتك المتواترة المشهودة وغير المألوفة أحسسنا بالأمان من كل شرر وسوء منقلب، وبدعوتك اهتدى المتشكك في كل عمل ومن عزيمتك وصل فقير الحال منا إلى القمم، وبذاك منّ سبحانه وتعالى على الغارق فينا في سوء العمل بمفارقة المعاصي والنهم.
يا نفسي انتحبي على فراق من زرع فيك وفي كل يائس الأمل، ويا أخي ابكِ معي رجلاً معطاءً لم يدّخر لنفسه غير الجهد والتعب، لعل الدمع يهون عليّ وعليك فاجعة غطى ألمها كل مصائبنا ونوائبنا مجتمعة ومكتملة. ويا خصمنا لا تسعد أو تشمت، واحذر فلم يعد بيننا بعد اليوم من كان على العفو والحلم يحملنا.والله ياسيدي ووالدي الدكتور ورداني لو أعلم أن الأعمار توهب لأهديتك عمري وأضعافه بلا تردد؛ ليقيني أن ما أنت فاعله وصانعه من بر وخير وإحسان في سويعات قليلة ليس لمثلي أو لغيري إليه وصول ولو بعد عمر مديد وكفاح كبير شديد.عزائي وعزاء إخوتي الدكتور محمد والدكتور أحمد والدكتور بإذن الله عمرو وعزاؤنا أجمعين في والد هُمام لم تفارق البسمة محياه، وتجلت فيه آيات الإيثار والبذل والعطاء، وأورث أصوله وفروعه الكرم والمروءة، أنه في جنات النعيم بوعد العلي القدير: «وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ»، وقوله جل وعلا «أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفُ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ». وحسبنا بشرى سيد الخلق محمد، صلى الله عليه وسلم، لأمثاله رحمه الله من العلماء ومن هم بالخير سابقين: «إنما الدنيا لأربعة نفر، عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه، ويصِلُ فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقاً، فهذا بأفضل المنازل،...»، وكذا شهادة جميع الخيرين والمقربين، ومن أنس بصحبة فقيدنا الغالي، رحمه الله رحمة واسعة، من أهل التقى والصلاح، وأخيراً رؤى من نحسبهم صالحين، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا: «إنا لله وإنا إليه راجعون».