مخطئ من يرى في عودة مهاتير عودة شخص إلى سدة الحكم، ويخطئ من يعتقد أن استمرار نهضة ماليزيا أو استعادتها يرتبطان بعودة شخص، بل إن مهاتير نفسه كان واضحاً في أن عودته أتت من أجل تصحيح مسار، بمجرد أن يحدث سيسلم الزمام لمن يعتقد أنه قادر على الاستمرار في الخط الصحيح، فقد تعهد بتولي رئاسة الوزراء مدة عامين، والعمل على الحصول على عفو ملكي عن زعيم المعارضة أنور إبراهيم، وهو ما حدث، حيث كان قابعاً في السجن تنفيذاً لعقوبات في تهم تتعلق بالفساد وتهم جنسية، وكان ذلك في ظل حكم مهاتير محمد نفسه.عاد ليصحح ما وصفه بـ «أكبر غلطة في حياته»، وهي تقاعده من العمل السياسي عام 2003، هذا هو مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق، والذي تزعم ائتلاف المعارضة منهياً اعتزاله السياسة من أجل إزاحة الحزب الحاكم الذي تزعمه هو نفسه أكثر من 22 عاما.
إذاً عودة مهاتير الآن هي عودة نهج لا عودة شخص، من المهم جداً فهم الفارق بين الأمرين.مهاتير محمد، الذي تولى رئاسة وزراء ماليزيا منذ عام 1981 حتى عام 2003، قال إنه «عاد للسياسة لتخليص البلاد من مستويات فساد غير مسبوقة». كما أقر مهاتير بأنه أساء لنائبه السابق وزعيم المعارضة، وأنه نادم على ذلك، وطلب منه العفو، وقبل إبراهيم اعتذار مهاتير محمد، ونجحا معا في التخلص من ائتلاف الجبهة الوطنية الحاكم، وزعيمه نجيب عبدالرزاق. موقف الشخصين جدير بالتأمل والتقدير.الانتخابات الماليزية التي أعادت مهاتير شهدت نسبة مشاركة بلغت 82.3 في المئة من إجمالي عدد من يحق له التصويت، وهذه ملحوظة أخرى تشير إلى من هو صاحب قرار التغيير.في ظل حكمه تحولت ماليزيا إلى أحد النمور الآسيوية في التسعينيات، بعدما نهضت من الناحية الصناعية، وأصبحت تصدر ما كانت تستورده، وانخفضت أعداد المواطنين ممن هم تحت خط الفقر من 52 في المئة إلى ما نسبته 5 في المئة فقط، مع ارتفاع متوسط دخل المواطن من 3500 دولار أميركي إلى 12 ألف دولار، خلال أقل من 15 عاما. لم يحقق ذلك بمعجزة أو قدرة شخصية خارقة، بل بتكريس نهج الحكم الرشيد، المبني على دولة القانون، بمساعدة الشعب بكل قطاعاته وطوائفه والمسؤولين الماليزيين بدون احتكار مجموعة للمسؤولية، فقط كان المعيار الحرص على خدمة مصالح شعبهم.اعتمد مهاتير محمد المعايير العلمية في التعامل مع الواقع ولَم يذهب نحو الغيبيات التي يمكن أن تكون أسهل كثيرا في قيادة الشعوب، وله قول مشهور في هذا المقام عندما قال «عندما أردنا الصلاة اتجهنا صوب مكة، وعندما أردنا بناء البلاد اتجهنا صوب اليابان».ماليزيا بلد مساحته ٣٢٠ ألف كيلو متر مربع، وعدد سكانه ٢٧ مليون نسمة. كانوا حتى عام 1981 يعيشون فى الغابات، ويعملون فى زراعة المطاط والموز والأناناس وصيد الأسماك، وكان متوسط دخل الفرد أقل من ألف دولار سنوياً.تولى مهاتير رئاسة الوزراء في عام، فرسم خريطة لمستقبل ماليزيا حدد فيها الأولويات والأهداف والنتائج، التي يجب الوصول إليها خلال ١٠ سنوات، وبعد ٢٠ سنة، وحتى عام 2020. قرر أن يكون التعليم والبحث العلمي هما الأولوية الأولى على رأس الأجندة، وبالتالي خصص أكبر قسم في ميزانية الدولة ليضخ في التدريب وتأهيل الحرفيين، والتربية والتعليم، ومحو الأمية، وتعليم الإنكليزية، والبحوث العلمية، كما أرسل عشرات الآلاف في بعثات للدراسة بأفضل الجامعات الأجنبية، وكانت الجامعات في بلاده لا تتجاوز 5 جامعات فقام بإنشاء جامعات جديدة ليصل عددها في بلاده إلى 80 جامعة، وصنفت الجامعات الماليزية ضمن أول 200 جامعة عالميا.وفي قطاع الصناعة، حقق طفرة هائلة في الأجهزة الكهربائية، والحاسبات الإلكترونية. أصبح قطاع الصناعة يشكل 90 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وفي النشاط المالي فتح الباب على مصراعيه بضوابط شفافة أمام الاستثمارات المحلية والأجنبية.في عام 2003 وبعد 21 سنة، قرر بإرادته المنفردة أن يترك السلطة، رغم كل المناشدات تاركاً لمن يخلفه خريطة طريق وخطة عمل، وعندما وجد أن من يقودون ضلوا الطريق، عاد ليصحح ويسلم الراية لمن يلتزم النهج ثم يرحل.
مقالات - اضافات
عاد ليصحح المسار ثم يرحل
26-05-2018