شهيد الغرام... والغدر!
تحت أشعة شمس الصيف الحارقة، انطلقت مروة، بائعة المناديل الورقية بين السيارات المتراصة على إحدى الإشارات في شارع البطل أحمد عبدالعزيز بحي المهندسين تحاول إقناع السائقين بشراء علبة مناديل. الابتسامة التي ارتسمت على شفتي الفتاة التي لم تبلغ الثامنة عشرة من عمرها لم تفلح في اقناع كثيرين بشراء ولو علبة مناديل واحدة!
انطلقت السيارات، وأسرعت مروة تحتمي بالوقوف فوق الرصيف، وراحت الفتاة البسيطة تمسح عرقها الذي يتصبّب منها وتضع علب المناديل الورقية إلى جوارها انتظاراً لتوقف الإشارة من جديد لتواصل البيع للسائقين. ولكن فجأة وجدت شابين يقفان أمامها وقال أحدهما في لهجة آمرة: «انتِ يا بنت قومي امشي من هنا».دب الرعب في قلب الفتاة الشابة عندما سمعت تلك الكلمات. رفعت رأسها لتجد أمامها سعداً، وهو سائس في أحد الكراجات الخاصة والمعروف عنه شراسته وقسوة قلبه وإلى جواره يقف صديقه اسكندر، المسجل خطراً.
حاولت مروة أن تتماسك وتتظاهر بالصلابة. قالت في حدة:«أمشي يعني إيه. هو انت اشتريت الشارع؟».لم يرد سعد بكلمة واحدة. هوى بيديه على وجه الفتاة وراح يصفعها صفعات هائلة. لم تحتمل مروة قوة الصفعات المتتالية، فارتمت على الرصيف ليركلها اسكندر بكل قوته وهو يقول في غضب:** « لو شفتك هنا تاني. حيبقى آخر يوم في عمرك. فاهمة».وفي خوف شديد، لملمت مروة بضاعتها وانطلقت بأقصى سرعة من أمام الشابين لتنجو بنفسها من الضرب. ولم تتوقف الفتاة الصغيرة عن الركض حتى وصلت إلى بيتها بحي بولاق الدكرور. كان الذعر يمتلكها والدموع تنساب من عينيها بغزارة لأنها عادت إلى والدها من دون أن تبيع علبة مناديل واحدة في ذلك اليوم.
عقاب
على بعد أمتار قليلة من بيتها المتواضع، توقفت مروة لتلتقط أنفاسها المتلاحقة. ألقت بعلب المناديل على الرصيف وجلست تبكي بحرقة كلما مرّ في مخيلتها العقاب الذي ينتظرها من والدها لفشلها في مهمتها التي كلفها بها. لحظات وامتلأ قلب الفتاة الصغيرة بالرعب من أمر آخر. سعد واسكندر، الشابان القاسيان اللذان حرماها من الرزق لأنها رفضت أن تقيم معهما علاقة غرامية، لذلك فقد كانت واثقة من أنهما لن يتركاها في حالها أبداً. ولن يسمحا لها ببيع علب المناديل في شارع البطل أحمد عبد العزيز إلا إذا رضخت لهما واستجابت لرغبتهما في إقامة علاقة غير شرعية معهما. مسحت دموعها، وقبل أن تقف لتواصل سيرها إلى بيتها فوجئت بسامح، بائع حمص الشام، يربت بيده على كتفها ويقول:** «مالك يا مروة؟ مين مزعلك؟».لم ترد مروة. ظلت تبكي في صمت بينما قلب سامح يتمزّق لدموعها. وراح بائع حمص الشام يكرر عليها سؤاله من دون أن يأتيه الرد لأن فكرة شيطانية كانت تختمر في رأس الفتاة الشابة في تلك اللحظة!الفكرة باختصار كانت تقول إن الشاب سامح يحب مروة بجنون وكثيراً ما طلب يدها للزواج ولكنها سبق ورفضت طلبه... فلماذا لا تستغل حب الشاب الولهان ليحميها من الشابين سعد واسكندر؟! خصوصاً أنه يتمتع ببنيان قوي يستطيع بمفرده تلقين السائس سعد وصديقه البلطجي اسكندر «علقه ساخنة». لم تكن مروة تحب الشاب، ولم تكن أيضاً تستطيع الابتعاد عن المكان الذي تبيع فيه علب المناديل الورقية بشارع البطل أحمد عبد العزيز بالمهندسين لأن هذا المكان يقع في مواجهة منزل الشاب الوحيد الذي رقّ له قلب الفتاة مروة . شاب يقود سيارة فارهة حديثة. وسيم وابتسامته ساحرة خلبت لبها قبل شهور. إذاً عليها أن تستغل عشق سامح لها حتى يحميها من البلطجي سعد وصديقه اسكندر، لتبقى بائعة المناديل في المكان الذي تستطيع من خلاله إلقاء نظراتها على معشوقها الشاب الوسيم كلما خرج أو عاد إلى منزله!اكتئاب
كان سامح في هذه الأثناء يحاول التعرف إلى ما أصاب محبوبته الشابة مروة ولماذا تبكي بحرقة، وأخيراً أخبرته الفتاة بأنها مصابة بحالة اكتئاب وطلبت منه أن تخرج معه في نزهة سيراً على القدمين، حتى قادته إلى شارع البطل أحمد عبد العزيز لتتحدث إليه في بعض الأمور المتعلقة باتمام زواجهما!لم يصدق سامح ما سمعه بأذنيه. رقص قلبه بين ضلوعه من الفرح. أمسك بائع حمص الشام بيد محبوبته وجذبها في سعادة لتسير إلى جواره ولم يعبأ بمحاولتها تأجيل النزهة إلى وقت آخر. جذبها بشدة ولم يمهلها لتلملم علب المناديل الورقية قائلاً لها:** «اعتبري نفسك بعتيهم كلهم. أنا حأدفع لك حقهم». وانطلق الشاب المحب سامح مع معشوقته مروة إلى شارع البطل أحمد عبد العزيز بالمهندسين! من دون أن يدري بما يدور في عقل محبوبته الشابة الماكرة مروة ولا الخطط التي ترتسم في ذهنها!بانتظار السعادة
كانت عقارب الساعة تشير إلى الخامسة من مساء اليوم. سامح يسير إلى جوار محبوبته يتحدّث عن حبه لها واستعداده لإتمام الزواج منها في أسرع وقت. وراح الشاب الذي لم يكمل السابعة والعشرين من العمر يتحدث عن الأيام المقبلة والسعادة التي تنتظرهما معاً عندما يضمهما بيت واحد. لم تستمع الفتاة الماكرة مروة إلى كل ما قاله سامح. كانت شاردة الذهن تسير بخطوات متثاقلة وقلبها يدق بعنف كلما اقتربت من بيت محبوبها الشاب الوسيم، كانت تخشى أن يلمحها حبيبها. ولكن في نفس الوقت كانت تتمنى بينها وبين نفسها أن يشاهدها سعد أو اسكندر حتى تكتمل خطتها الشيطانية.وتحقق للشابة مروة ما تمنته بعد دقائق. فجأة انشقت الأرض عن سايس الكاراج سعد وإلى جواره صديقه البلطجي اسكندر ووقفا في مواجهة الشاب المسكين سامح ومحبوبته مروة. كان الشرر يتطاير من عيون الشابين. وفي غضب بالغ قال سعد:« أنا مش قلت لك ما تجيش هنا تاني؟».ومن دون أن يحاول أن يفهم ما يدور حوله، غلت الدماء في عروق العاشق الولهان سامح بعد سماعه هذه الكلمات الجارحة الموجهة إلى محبوبته مروة. اشتبك فوراً بائع حمص الشام مع سائس الجراج سعد وصديقه البلطجي اسكندر، بينما انزوت الشابة مروة بعيداً لتتابع ما يجري عن كثب. كانت المعركة بين سامح والشابين الآخرين حامية جداً.تمكن سامح بجسده الضخم من تلقين الشابين ضرباً مبرحاً وكاد يفتك بهما. ولكن بمجرد أن هرول المارة لفض المشاجرة وتمكنوا من إبعاد سامح عن الشابين حتى فوجئ الجميع بالبلطجي اسكندر يخرج مطواة من بين طيات ملابسه وينطلق بأقصى سرعة إلى سامح، ويغرس المطواة في قلبه. ليسقط بائع حمص الشام على أرض الشارع سابحاً في دمائه في مشهد اهتز له الجميع.الشرطة
لحظات، ووصل رجال الشرطة إلى المكان. فألقوا القبض على القاتل وصديقه قبل أن يفرا هاربين، بينما أسرع المارة بنقل الشاب المصاب سامح إلى أقرب مستشفى في محاولة لانقاذ حياته. ولكن بائع حمص الشام لفظ آخر أنفاسه على باب المستشفى.مات سامح دفاعاً عن محبوبته مروة. مات ولم يدر أنه كان ضحية خدعة شيطانية من فتاة عشقها بجنون حتى قادته إلى مصيره المحتوم. البلطجي القاتل اسكندر وصديقه سعد اعترفا بجريمتهما كاملة إزاء تامر الفنجري، وكيل نيابة العجوزة، فتقرر حبسهما 15 يوماً، وبعرضهما على قاضي المعارضات قرر تجديد حبس المتهمين 45 يوماً أخرى وتقديمهما للمحاكمة.في محكمة جنايات الجيزة التي عقدت جلساتها برئاسة المستشار خالد الشباسي، لم ينكر الشابان مشاجرتهما مع القتيل وقررا أنهما كان يدافعان عن نفسيهما، خصوصاً أن القتيل كان شاباً مفتول العضلات وقوي البنيان وكاد يفتك بهما أثناء الاشتباك. شهود الواقعة أيضا أكدوا أقوال المتهمين إزاء هيئة المحكمة لتقضي بسجنهما 3 سنوات بتهمة ضرب أفضى إلى الموت بعد استبعاد شبهة الإصرار والعمد في الجريمة.ابتسامة
خرجت الشابة مروة من قاعة المحكمة والابتسامة ترتسم على وجهها بعدما نجحت في تأمين مكان رزقها لثلاث سنوات سترتاح فيها من مضايقات سعد وصديقه اسكندر!اسرعت مروة إلى شارع البطل أحمد عبد العزيز فور النطق بالحكم على القاتلين سعد واسكندر، وراحت تتحرك بين السيارات المتوقفة في إشارة المرور كالفراشة. كان قلبها يرقص بين ضلوعها وابتسامتها العريضة مرسومة فوق شفتيها وباعت يومها كل بضاعتها من المناديل الورقية ولم تنس بين الحين والآخر أن تلقي بنظرات خاطفة على شباك منزل محبوبها الشاب الوسيم الذي يقطن بالعقار المواجه لمكان عملها.في نهاية اليوم عادت الشابة مروة إلى غرفتها المتواضعة بحي بولاق الدكرور. سلمت والدها كل ما كسبته بنفس راضية. ليلتها لم تنم بائعة المناديل الشابة مروة من الأرق!الأرق الذي أصاب بائعة المناديل مروة لم يكن بسبب ندمها على تنفيذ فكرتها الشيطانية التي أدت في النهاية إلى مقتل بائع حمص الشام سامح، وإنما كان بسبب تخطيطها المستمر في الحفاظ على المكان الذي اختارته بشارع البطل أحمد عبد العزيز لعملها، خصوصاً إزاء بيت محبوبها الشاب الوسيم الثري!كانت الشابة مروة تخشى بعد التخلص من السائس سعد وصديقه البلطجي اسكندر، كذلك بائع حمص الشام سامح بضربة واحدة، أن يظهر لها شخص آخر يعكر عليها صفو حياتها ومتابعتها لمحبوبها الشاب الثري الوسيم الذي يقطن بالعقار المواجه للمكان الذي تقف فيه لتبيع علب المناديل الورقية.ولم يمض شهر حتى حدث ما كانت تخشاه الفتاة الصغيرة. أضاءت إشارة المرور باللون الأخضر وانطلق السائقون في السيارات كل إلى حال سبيله، وعادت مروة إلى الرصيف تحتمي به من السيارات كعادتها إلا أنها فوجئت بشاب جديد قوي البنيان يقف أمامها ويطردها من المكان الذي اختارته لبيع بضاعتها في الشارع!حاولت مروة المقاومة ولكن الشاب مفتول العضلات أوسعها ضرباً وركلاً... وسقطت بائعة المناديل على الرصيف!بصعوبة بالغة نجح المارة في تخليصها من يد الشاب قبل أن يفتك بها ونقلوها إلى مستشفى العجوزة حيث نجح الأطباء في علاجها من إصابتها بنزف حاد في الرأس نتيجة ضربات الشاب القوي الذي ألقي القبض عليه. وفي قسم الشرطة اعترفت بائعة المناديل مروة بحكايتها من الألف إلى الياء وراحت تبكي بحرقة ندماً على الشاب سامح، شهيد غرامها الذي دفع حياته ثمناً لغدرها.
بائعة المناديل تخلّصت من ثلاثة رجال ولم تُعاقب
هيئة المحكمة عدّلت توصيف الجريمة من قتل إلى ضرب أفضى إلى موت
البلطجي اسكندر يخرج مطواة من بين طيات ملابسه وينطلق بأقصى سرعة إلى سامح ويغرس المطواة في قلبه
هيئة المحكمة عدّلت توصيف الجريمة من قتل إلى ضرب أفضى إلى موت
البلطجي اسكندر يخرج مطواة من بين طيات ملابسه وينطلق بأقصى سرعة إلى سامح ويغرس المطواة في قلبه