كوكو سودان كباشي
"كوكو سودان كباشي" عنوان لرواية سلوى بكر السادسة في إنتاجها الروائي، البالغ 8 روايات، و9 مجموعات قصصية ومسرحية واحدة. من أجمل ما قرأت لها رواية "البشموري" و"سواقي الوقت"، ومشهد البدوية في دكان الساعاتي مازال عالقا بذهني، رغم مرور وقت طويل على قراءته من جماله وقوة تركيبه، وهذا ما دفعني إلى قراءة "كوكو سودان كباشي"، التي لم تأتيني بمثل متعة ما سبق ذكره في الروايتين، هناك شيء ما ناقص بهذه الرواية، بالرغم من إتقان صياغة شروط الكتابة الروائية التي تصبح بمرور الوقت مهنة سهلة على الكاتب، حين يتقن أساليب الكتابة ويعرف أدواتها وأسرار تقنياتها، لكن يبقى هناك أمر خفي لسر نجاح العمل لا يمكن تحديده بدقة، قد تكون روح الشغف التي تنتاب الكاتب تجاه ما يكتبه، وهذه الحالة لا تحدث في كل الكتابات، فليس كل ما يكتبه الكاتب يقع في غرامه ويتمكن من روحه وقلبه، حتى في رسم شخصياته الروائية؛ ليست كلها تمتلك ذات المنزلة العاطفية في وجدانه، فأحيانا ينحاز لإحداها دون الأخرى، ويصبح لها بريق وتألق وعنفوان أكثر من الشخصيات الأخرى، لأنها استحوذت على عاطفة المؤلف، فبث فيها كل شغفه حتى أنطقها على الورق، وهذه الحالة ربما لم تنطبق على رواية "كوكو سودان كباشي"، لأنها كعمل روائي مشغول بحرفية عالية وإتقان للعمل الروائي، لكن يبدو أن سلوى بكر لم تقع في حب بطلها بشكل كافٍ، حتى تمنحه شغف وحيوية نبض الحياة في روايتها، فباتت رواية متقنة الصنعة، لكن بلا أي جاذبية تمنح القارئ متعتها، على الرغم من أن الرواية تحمل مضموناً إنسانياً جيداً كان يمكن أن يكون وقع تأثيره على روح القارئ أكبر من كونه ينقل معلومة ضائعة في دفاتر النسيان.الرواية تحكي عن المحامية خالدة مصطفى إسماعيل، التي تلتقي الرجل المكسيكي ردولفو فرديناندو، في الطائرة خلال سفرهما من القاهرة إلى أمستردام، وتعرف منه سبب مجيئه إليها للبحث عن جذور جده المصري، ثم بعد هذه الرحلة يعود ليلتقيها في القاهرة ويسلمها ملف أوراق مذكرات أو يوميات جده في المكسيك، ويطلب منها مساعدته بالبحث عن جذور عائلة جده، إذ إن وقت إجازته انتهى ويجب أن يعود إلى عمله.
ومن قراءة اليوميات نكتشف مرحلة تاريخية حقيقية من تاريخ مصر والسودان، حينما أرسل الخديوي توفيق الأورطة المصرية السودانية لتحارب بالمكسيك في القرن التاسع عشر، وذلك بطلب من الفرنسيين، لقلة تحمل الجنود الفرنسيين رداءة الطقس، وتعرضهم للإصابات الكثيرة بسبب انتشار الأمراض وصعوبة التكيف معها.هذا الأمر الاستعماري اللاإنساني الغريب الذي عمل على خطف السودانيين من أماكنهم وقراهم وبيعهم ليتم شحنهم إلى بلاد نائية لا ينتمون لها ليشاركوا ويموتوا في حرب ليست لهم، ومع هؤلاء السودانيين كان هناك أيضاً مصريون منهم الشيخ عثمان حفني النوبي، كان دوره لمباركتهم والصلاة بهم والترحم عليهم بعد موتهم، وهو من سجل وكشف عذابات الرحلة وموت الجنود خلال عبور بحر الظلمات، وسوء الطقس والإصابة بالأوبئة وحزن فراق أهاليهم، وهذا مقتطف من وصف رحلة العذاب: "كانت حزم العبيد التي تنجو من الجوع والأمراض وتتكدس في السفن تعرض في الأسمال جلداً على عظم في الميدان العام، بعد أن تمر في استعراض عبر الشوارع ذات الطراز الاستعماري، على أنغام موسيقى القرب، أما من يصلون إلى الكاريبي وقد بلغ منهم الإرهاق مبلغه فيمكن تسمينهم في مستودعات العبيد قبل جعلهم يلمعون، وكان الصاغة يقدمون أقفالاً وأطواقاً من الفضة للزنوج والكلاب، وكانت السيدات الأنيقات يظهرن بين الناس مصحوبات بقرد تكسوه سترة مطرزة وطفل عبد وسروال فضفاض من الحرير".موضوع الرواية الرائع هذا كان ينقصه سد فقراته التاريخية الحقيقية بدعم نقصها، بسندها ورقعها بالتخييل، لأن الفن الروائي ليس مطلوباً منه توثيق الحقائق التاريخية كما هي، وبالإمكان ملء تلك الفراغات التي لم يذكرها التاريخ بخيال الكاتب، بدلا من تلك التقنية التي اتبعتها سلوى بكر، بجعل جدة ردلفو تقوم بحرق بعض أوراق اليوميات كتعويذة سحرية لها، لأن التاريخ توقف عند هذا الحد ولم يذكر ما حصل من بعده، مما جعل النص يخضع لما جاء من كتابة التاريخ الحقيقي، وهذا النقص أثر كثيراً على جاذبية وسحر الرواية."كوكو سودان كباشي" عنوان الرواية، هو اسم لجندي سوداني.