موسى بن نصير... القائد المجاهد
كأن يد الله كانت تهيئه ليكون هذا القائد الفذ الذي ثبت الاسلام في إفريقيا، وفتح الله به بلاداً كثيرة، فهو سليل عائلة مجاهدة في سبيل الله، هو موسى بن نصير فاتح المغرب وصقلية وقبرص ورودس والأندلس، وهو شيخ المجاهدين الذي قضى أعواما يرفع فيها راية الجهاد.كان الهم الأول لموسى بن نصير منذ أصبح واليا على المغرب هو تثبيت دعائم الإسلام في هذا الإقليم، الذي ارتد أهله عن الإسلام أكثر من مرة، واهتم بنشر الإسلام بين البربر، ومسالمتهم واستمالة رءوسهم ليضمن ألا ينزعوا للثورة مجددا، وكان يأتي بعلماء التابعين من الشام والحجاز ليعلموهم الإسلام ويُعَرفوهم به، فأقبلوا على الإسلام وأحبوه، ودخلوا فيه أفواجًا، وانضم إلى جيشه الآلاف منهم بعد إسلامهم حتى أتم الله عليه فتح هذا الإقليم مرة أخرى، حتى وصل إلى فتح ميناء "طنجة"، وبقي ميناء "سبتة" المماثل له في الأهمية؛ وولى موسى بن نصير على ميناء طنجة أمهر قادته طارق بن زياد.
كان موسى بن نصير قد ضمن ولاء أهل المغرب واستمساكهم بدعوة الإسلام، فأخذ يعِد العدة لغزو جديد، فأذن لطارق بن زياد في فتح إسبانيا، وانطلق طارق بالجيش إلى أن وصل سبتة، وهناك خطط لعبور المضيق، وفي اليوم الخامس من شهر رجب سنة 92 هـ، الموافق شهر أبريل سنة 710م كانت آخر دفعة من الجنود بقيادة طارق تعبر المضيق، الذي حمل اسم طارق بن زياد منذ ذلك الوقت.واصل طارق بن زياد فتوحاته في الأندلس، وخشي موسى بن نصير من توغله في أراضيها، فعبر إليه على رأس حملة كبيرة، وسلك بالجيش نحو المدن التي لم يفتحها طارق، وأخذ القائدان يتمان فتح ما بقي من المدن، حتى أصبحت الأندلس في قبضة المسلمين.عاد موسى بن نصير إلى دمشق حاضرة الخلافة الأموية، بعد أن حقق الكثير والكثير من الانتصارات، فاستقبله الوليد وأحسن استقباله، ولم يمض أربعون يومًا على ذلك حتى مات الوليد بن عبدالملك، وتولى الخلافة أخوه سليمان بن عبدالملك، ومن يومها بدأت متاعب موسى بن نصير؛ فقد أراد سليمان أن يُعاقبه لخلاف بينهما، فأمر به أن يظل واقفًا في حر الشمس المتوهجة، وكان قد بلغ الثمانين من عمره، فلما أصابه حر الشمس وأتعبه الوقوف سقط مغشيا عليه.ندم الخليفة على ما فعله مع هذا المجاهد الكبير، فاصطحب موسى بن نصير معه إلى الحج وفي طريقه إلى الحج ناجى موسى بن نصير ربه قائلا: اللهم إن كنت تُريد لي الحياة فأعدني إلى أرض الجهاد، وأمِتني على الشهادة، وإن كنت تُريد لي غير ذلك فأمتني في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد انتهائه من أداء المناسك وفي طريق عودته مات في المدينة، ليدفن مع الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.