الغزاة الصينيون في الفلبين

نشر في 28-05-2018
آخر تحديث 28-05-2018 | 00:05
تعمل الأموال الصينية على تمكين النخب المحلية وتفشي الفساد، كما تقوم الشركات الصينية بتشغيل العمال الصينيين في المقام الأول، وتعمل الخطط الصينية بشكل مستقل عن الثقافة المحلية، ومع مرور الوقت أصبح السكان المحليون الذين أزيحوا من منازلهم غير راضين عن هذا الوضع.
 بروجيكت سنديكيت "إنه لأمر ساخر". هكذا وصف السلطان عبد الحميد عطار خطة إعادة التأهيل التي وضعتها مدينة مراوي الإسلامية، عاصمة إقليم لاناو ديل سور في جزيرة مينداناو الفلبينية، بعد مرور عام على قيام مجموعة موت، المعروفة أيضا باسم الدولة الإسلامية في لاناو، بشن هجوم على المدينة في 23 مايو 2017، أدت المعركة التي استمرت خمسة أشهر إلى مقتل أكثر من 1000 شخص ونزوح 360.000 آخرين.

يعد شعب مراوي، الملقب بالمارانو، شعبا مستقلا للغاية، ومثل بقية الموروس (وهي الشعوب المسلمة في مينداناو)، فإن المارانو (الذين يطلق عليهم "شعب البحيرة"، لأنهم بنوا حياتهم ومنازلهم على ضفاف بحيرة لاناو) لم يتم غزوهم أو استعمارهم من الإسبان، أو الأميريكيين، أو اليابانيين، على عكس الفلبينيين الآخرين من مناطق لوزون وفيساياس. لكنهم اليوم كما أشار عطار يعتبرون مشاركة الشركات الصينية في إعادة تأهيل مراوي بمثابة تدخل، إن لم يكن غزوا صريحا.

وعلاوة على ذلك قدم اتحاد مؤلف من خمس شركات صينية وأربع شركات شريكة فلبينية، خطة رئيسة لإعادة بناء المدينة التي دمرتها الصراعات، وتهدف الخطة الرئيسة إلى تحويل ساحة المعركة الرئيسة في مدينة مراوي- التي كانت معروفة قبل الحصار بتجارتها الضخمة ومساجدها الكبرى ومدارسها الدينية الديناميكية- إلى وجهة سياحية. وتمتاز هذه الخطة- التي تبلغ تكلفتها 328 مليون دولار وتغطي مساحة 250 هكتارا- بالحداثة، حيث تشمل مسارات واسعة ومنتجعات فخمة مطلة على البحر ومنتزهات وساحات ساحرة ومسار إيكولوجي وقاعة مؤتمرات.

لكن الماراناو غير راضين عن هذه الخطة، ويقولون إن هذه ليست مدينة مراوي الأصلية، فهي لا تتميز بثقافتهم أو تقاليدهم أو هويتهم كنساجين وتجار تاريخيين، مثل شعب البحيرة. وقال أحد النازحين من ماراناو "نحن لا نريد تجميلا"، ما يريده الماراناو بالفعل هو فرصة السماح لهم بإعادة بناء منازلهم، إن لديهم رؤيتهم الخاصة، كما يتوافرون على المخططين والمهندسين المعماريين والعاملين الخاصين بهم.

تكمن مشكلة الخطة الرئيسة، وفقا لمجموعات المجتمع المدني، في تطويرها بدون استشارة جادة مع أصحاب المصلحة الآخرين، وفي 30 مارس نظم مئات من الماراناو احتجاجاً سلمياً للمطالبة بإدراجهم في صياغة الخطة.

يعد الدخول المحتمل للشركات الصينية في إعادة تأهيل مدينة مراوي على نطاق واسع أحدث مشروع رئيسي للصين في الفلبين، وفي شهر أبريل الماضي، وقعت الشركات الصينية "شانغهاي جيوهاربر غروب ومجموعة جوفو ومجموعة جونغفا" اتفاقيات بمليارات الدولارات مع الحكومة الفلبينية لاستصلاح الأراضي وبناء محطات الغاز الطبيعي المسال والقيام بمشاريع الطاقة الحرارية.

إن الوجود المتزايد للشركات الصينية في الفلبين هو نتيجة لتركيز الرئيس رودريغو دوتيرتي على الصين في أكتوبر 2017، ونظرا لحاجة البلاد إلى "سياسة خارجية مستقلة"، هدد رودريغو بإلغاء اتفاقية بلاده العسكرية مع حليفها القديم، الولايات المتحدة الأميركية، وتعهد بالعمل مع الصين كبديل لأميركا.

ومنذ ذلك الحين، تدفقت الأموال والشركات الصينية إلى البلاد، متنافسة على بناء البنية التحتية، وفي عام 2017 بلغت الاستثمارات من الصين 31 مليون دولار؛ وبحلول أبريل 2018، كان من المتوقع الحصول على 9.5 مليارات دولار إضافية، مما سيخلق 10.800 فرصة عمل للفلبينيين في السياحة والزراعة والتجارة الإلكترونية.

تعتبر شركة الصين للإنشاءات الهندسية المحدودة، الشركة الحكومية التي تتنافس على اتفاقية إعادة بناء مدينة مراوي، من بين أكبر 100 شركة متداولة علنيا في العالم، حيث بلغت قيمتها السوقية 43.2 مليار دولار في عام 2017، ولكن تم إدراج الشركة في القائمة السوداء من قبل البنك الدولي في عام 2009 للتواطؤ مع ثلاث شركات صينية أخرى في مشروع طريق بمبلغ 33 مليون دولار في الفلبين.

وقد أراد دوتيرتي القيام بالمزيد من أجل الفلبينيين- على الأقل ناخبيه- من خلال الترحيب بالاستثمار الصيني لبناء البنية التحتية في جميع أنحاء البلاد، وخلص أيضا إلى أن الأمر لا يستحق مقاومة ادعاءات الصين بأجزاء كبيرة من بحر الصين الجنوبي، على الرغم من قرار المحكمة الدولية لعام 2016 الذي يرفض تلك الادعاءات، وقد صرح علانية أن الفلبين ليست ندا للقوة العسكرية الصينية.

حتى الآن، يبدو أن مقامرة دوتيرتي تؤتي ثمارها، ولا تزال شعبيته بين الفلبينيين عالية، حيث بلغت نسبة الرضا 56٪ في الربع الأول من عام 2018، ومع ذلك تشير احتجاجات مدينة مراوي إلى ديناميكية أكثر تعقيدا على المدى الطويل، والتي تظهر في أجزاء من إفريقيا وأميركا اللاتينية، حيث عقدت الصين صفقات مع الحكومات الوطنية.

تعمل الأموال الصينية على تمكين النخب المحلية وتفشي الفساد، كما تقوم الشركات الصينية بتشغيل العمال الصينيين في المقام الأول، وتعمل الخطط الصينية بشكل مستقل عن الثقافة المحلية، ومع مرور الوقت أصبح السكان المحليون الذين أزيحوا من منازلهم غير راضين عن هذا الوضع.

إن التاريخ الحديث لمدينة مراوي مفيد للغاية، وقد استغلت مجموعة موت، التي قادها اسنيلون هابلون، أمير تنظيم "داعش" في جنوب شرق آسيا، وعبدالله وعمر، عضوان سابقان في جبهة تحرير مورو الإسلامية، الاستياء الذي طال أمده ضد الأجانب والتمييز ضد الموروس في مجال التوظيف. إن من شأن الفشل في إشراك الماراناو المعتدلين في إعادة بناء مدينتهم وحكمها أن يشعل نار التطرف مرة أخرى.

وبصورة أعم، فإن قبول الأموال الصينية بشروط صينية يولد شكاوى ضد نوع من الإمبريالية الاقتصادية التي تعاملت معها حكومة الولايات المتحدة والشركات الأميركية العاملة في جميع أنحاء العالم النامي في القرن العشرين. ستظهر حركات المقاومة عاجلاً أم آجلاً تحت الأعلام القومية، وتحدث المصادرات، وفي عصر تكتسب فيه البيانات المفتوحة والحركات العالمية لمكافحة الفساد قوة، يتم كشف صفقات غامضة بسرعة أكبر بكثير.

بالنسبة إلى شعب البحيرة، لا تعد مدينة مراوي مجرد تنازل آخر للصين، بل أصبحت موطنا لهم، فتلك المرفقات تخلق العواطف والطاقة التي تتجاهلها الحكومة الفلبينية على مسؤوليتها.

* آن ماري سلوتر وبيربل روميرو

* آن ماري سلوتر هي الرئيسة والمديرة التنفيذية لأميركا الجديدة. وبوربل روميرو هي صحافية فلبينية متعددة الوسائط، كتبت عن السياسة والقضايا الإنسانية والبيئة والعلاقات الدولية على موقع فورين أفيرز، وآسيا سانتينال، وساوث تشاينا موررنين بوست، والكارديان.

«بروجيكت سنديكيت، 2018»

بالاتفاق مع «الجريدة»

الوجود المتزايد للشركات الصينية في الفلبين هو نتيجة لتركيز الرئيس رودريغو دوتيرتي على الصين في أكتوبر 2017

قدم اتحاد مؤلف من خمس شركات صينية وأربع شركات شريكة فلبينية خطة رئيسة لإعادة بناء مدينة مراوي التي دمرتها الصراعات

شركة الصين للإنشاءات الهندسية المحدودة الشركة الحكومية التي تتنافس على اتفاقية إعادة بناء مدينة مراوي
back to top