شهدت الحقبة التي حكم فيها الشيخ عبدالله السالم (1950 -1965) حالة تحول اجتماعي واقتصادي وسياسي حادة، وترجع أهميتها إلى أنها ربما هي الحقبة التي تم فيها وضع الأسس لطبيعة النظام القادم بعد الاستقلال سنة 1961 . الإشكالية هي أنه لم يحدث تجديد لتلك المعطيات، بل ابتعاد عنها، ومحاولة إعادة إنتاج الحقبة السابقة لها، وما ينتج عن ذلك من حالة التردي التي تعانيها البلاد. لم تحدث بعدها تحولات بذات المستوى، بل صرنا كسيارة انتهى أو كاد وقودها، وجرى وضع قوالب السكر المعطل للحركة في خزان الوقود، ولذا نحن بحاجة إلى وقود جديد لنتمكن من التحرك للأمام، وإلا فإن الحالة غير سارة كالارتطام بصخرة بعد أن تفقد تلك السيارة حواسها وقدرتها على الشم والسمع والذوق والبصر. وليس هناك أدل على ذلك من أن خطة التنمية، التي تم تنفيذها فعلاً، هي خطة 1952 ، أما الخطط التي تلتها فلم تكن إلا "شوية" أوراق، والكثير من الأموال المهدرة، دع عنك المسروقة. تلك التحولات عبرت عن نفسها بقرارات أو سياسات عامة كان الشيخ عبدالله السالم مسؤولاً عنها وعن إصدارها، أو على الأقل الموافقة عليها، مثل سياسة التحول لمفهوم "دولة الرعاية" كمسؤولة عن احتياجات الناس، كالتعليم والصحة والسكن والعمل والمعاش الشهري وغير ذلك، في حين لم تكن مسؤولة عن شيء قبل ذلك، محدثة انقلاباً في المفاهيم، وكذلك سياسة التثمين للأراضي، الذي كلف الدولة من 1952 حتى 1982 أكثر من 3 مليارات دينار، أي بواقع 100مليون دينار سنوياً. وربما أحد أهم وأخطر تلك القرارات كان قرار تأميم الأراضي، أو ما يعرف بـ "خط التنظيم العام" أو "حد الملكية الخاصة"، حيث صارت 97% من البلاد "أراضي أميرية"، والمقصود هنا أنها أراضي دولة، ليست ملكاً للأسرة الحاكمة كما هي الحال في أغلب دول المنطقة، وكانت نقطة إيجابية في بناء الدولة. وجاء صدور القرار، الذي مازال مطبقاً لليوم، رغبة من الشيخ عبدالله السالم في إيقاف محاولات بعض أفراد الأسرة للاستيلاء على ثلاثة أرباع الدولة بوضع اليد. أما عن حالات الاستيلاء الأخرى والمشهورة بتخطيط البراميل التي جرت بالذات في حقبة الخمسينيات فكان أغلبها يقع ضمن الـ٣%. وأيضاً قرار إنشاء البنك الوطني سنة 1952 ، وكيف عاند عبدالله السالم الإنكليز الذين حاولوا منع ذلك دون جدوى، وأيضاً قرار إنشاء مكتب الاستثمار بلندن ومجلس الاستثمار في فبراير 1953 ، وقرار قانون الجنسية سنة 1959 ، وإنشاء المجلس المشترك، وإنشاء الصندوق الكويتي للتنمية، وقرار التوجه نحو إصدار الدستور. الشاهد هو أن من بين كل القرارات والسياسات المذكورة أعلاه، على أهميتها، انفرد قرار إنشاء مكتب الاستثمار بضغط بريطاني غير مسبوق وغير "ملحوق". نعم كانت هناك تمنيات، وتوصيات، ونصائح، كدولة الرعاية أو مساعدة الدول الأخرى أو حتى التوجه للديمقراطية، لكنها لم تمثل حتى جزءاً بسيطاً من الاهتمام والضغط الذي شهده الاستثمار، فكيف تعامل الشيخ مع تلك الضغوط؟ وهل كان مطواعاً أم نداً عنيداً مزعجاً؟ فلنر كيف سارت الأمور.

Ad