الصدر... عنوان المواجهة في العراق!
كما أن سورية واليمن ولبنان غدت ساحات مواجهة مع التمدد الإيراني، فإن العراق بدوره قد اشتدت فيه هذه المواجهة، مع هذا التمدد خلال وبعد الانتخابات النيابية الأخيرة. ولعل من حسن طالع العراقيين والعرب أن السيد مقتدى الصدر، هذا القائد العروبي الكبير، بقيادته لهذه المعركة تحت عنوان: "لا لتدخل إيران وأميركا في الشأن العراقي" قد أبعد عن هذا الصراع أي معطيات طائفية ومذهبية!هناك إصرار إيراني، الآن، سواء مباشرة أو من خلال الأتباع والامتدادات المعروفة، على إفشال هذه المعركة التي يقودها مقتدى الصدر ومعه بالطبع عمار الحكيم وكل الخيرين العراقيين، سنة وشيعة، فالمواجهة في بلاد الرافدين ليست طائفية ولا مذهبية... إنها مواجهة وطنية أولاً وقومية ثانياً، والشعب العراقي بغالبيته ومن كل الطوائف والقوميات ما عاد يحتمل كل هذه التدخلات السافرة في شؤون بلده الداخلية. والحقيقة أنّ هذا هو عنوان الصراع المحتدم في العراق الآن... وأيضاً في سورية واليمن ولبنان.
كان الأميركيون، إمّا لحماقة أو لتآمرٍ، قد فتحوا أبواب العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين في عام 2003 للإيرانيين، الذين كانوا بدوافع قومية مغلفة بلون طائفي زائف يتضورون جوعاً للسيطرة على هذا البلد العربي واستعادة ما يعتبرونه "أمجاد فارس" القديمة، سواء في الفترة الصفوية المعروفة أو قبل ذلك، وهكذا فإنهم قد استغلوا التواطؤ أو الغباء الأميركي وانهيار الدولة العراقية كدولة، واندفعوا تلك الاندفاعة العسكرية والسياسية والاقتصادية المعروفة، وسيطروا على هذا البلد العربي الذي بات الآن يتعافى من كبوته، وبات ينشد التحرر والانعتاق بشيعته وسنته وبأقلياته القومية المعروفة كلها، بلا استثناء ولو قومية واحدة.والحقيقة أنّ هذه المعركة "الوطنية القومية" التي يقودها مقتدى الصدر ليست هينة ولا سهلة على الإطلاق، فإيران -كما هو واضح- ألقت بكل ثقلها في هذا الاتجاه، فهي تعرف، لا بل هي متأكدة من أن خروجها من العراق سيعني حتماً خروجها من سورية واليمن ولبنان... وسيعني أيضاً أن قبضتها على أوضاعها الداخلية ستصاب بـ"الارتخاء"، وأنه ستكون هناك، على المدى القريب أو البعيد، إيران أخرى غير هذه الإيران الحالية القائمة!نحن كعرب لا نتمنى لهذا البلد، الذي من المفترض أنه جار عزيز تربطنا به، رغم كل المنغصات السابقة واللاحقة، علاقات قديمة بالإمكان القول إنها كانت مقدسة، إلا الخير والازدهار والاستقرار... لكن ما العمل إذا كان هذا الحب من طرف واحد؟! وما العمل إذا كانت هذه "الثورة" التي كان معظمنا قد "صفقوا" لها حتى احمرت أكفهم قد انقلبت علينا قبل أن يصيح الديك، وذلك إلى حد أننا بتنا نتمنى عودة النظام الشاهنشاهي الذي كانت معاناتنا منه ومن تطلعاته التوسعية أقل بألف مرة من معاناتنا مع هذا النظام الذي كنّا راهنا في فبراير عام 1979 على أنه سيكون "عضيدنا" في مواجهة إسرائيل وتحرير فلسطين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.